الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ، وإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها ، وكَفى بِنا حاسِبِينَ) (١)
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يخاطب به الإنسان بعد أن فتح كتابه أمامه ، فقال ـ تعالى ـ * (اقْرَأْ كِتابَكَ ، كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) *.
أي : ويقال له بعد أن وجد كتابه منشورا أمامه ، اقرأ كتابك هذا ، وما اشتمل عليه من أعمال صدرت عنك في الدنيا ، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا.
أي : محاسبا ، كجليس بمعنى مجالس ، أو حاسبا وعادّا كصريم بمعنى صارم يقال حسب فلان على فلان قوله ، إذا عده عليه.
ولفظ (كَفى) هنا لازم ، ويطرد في هذه الحالة جر فاعله بالباء المزيدة لتوكيد الكفاية و «حسيبا» تمييز ، وعليك متعلق به.
وتارة يأتي لفظ «كفى» متعديا ، كما في قوله ـ تعالى ـ : وكَفَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ.
ثم ساق ـ سبحانه ـ قاعدة كلية ، لتحمل كل إنسان نتيجة عمله ، فقال ـ تعالى ـ : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِه ، ومَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ، ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
والفعل (تَزِرُ) من الوزر بمعنى الإثم والحمل والثقل. يقال : وزر يزر وزرا ، أي : أثم ، أو حمل حملا ثقيلا ، ومنه سمى الوزير ، لأنه يحمل أعباء تدبير شؤون الدولة.
أي : من اهتدى إلى الطريق المستقيم ، وقدم في حياته العمل الصالح فثمرة هدايته راجعة إلى نفسه ، ومن ضل عن الطريق القويم ، وفسق عن أمر ربه فوبال ضلاله راجع إليه وحده ، ولا تحمل نفس آثمة ، إثم نفس أخرى ، وإنما تسأل كل نفس عن آثامها فحسب.
وقد تكرر هذا المعنى في كثير من آيات القرآن الكريم ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (ولا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها ، ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ، وإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْه شَيْءٌ ، ولَوْ كانَ ذا قُرْبى ..) (٣).
__________________
(١) سورة الأنبياء الآية ٤٧.
(٢) سورة الأنعام الآية ١٦٤.
(٣) سورة فاطر الآية ١٨.