ولا يتنافى هذا مع قوله ـ تعالى ـ : (ولَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ ..) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ ، ومِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ..) (٢).
لأن المقصود في هاتين الآيتين وأشباههما ، أن دعاة الكفر والفسوق والعصيان ، يحملون ذنوبهم يوم القيامة ، ويحملون فوق ذلك جانبا من ذنوب من كانوا هم سببا في ضلالهم ، لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ، ووزر من عمل بها ـ كما جاء في الحديث الصحيح ـ فهم يحملون آثام أنفسهم ، والآثام التي كانوا سببا في ارتكاب غيرهم لها.
كذلك لا يتنافى قوله ـ تعالى ـ : (ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) مع ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما من «أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ..».
لأن العلماء حملوا الحديث على أن يكون الميت قد أوصى بذلك قبل موته ، أو أن يهمل نهيهم عن النوح عليه قبل موته ، مع أنه يعلم أنهم سينوحون عليه ويشقون الجيوب ، ويلطمون الخدود .. فتعذيبه بسبب تفريطه ، وعدم تنفيذه لقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ ناراً ، وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجارَةُ ..) (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) بيان لمظهر من مظاهر رحمة اللَّه ـ تعالى ـ بعباده ـ ورأفته بهم ، وكرمه معهم.
قال الآلوسي : قوله : (وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) بيان للعناية الربانية إثر بيان آثار الهداية والضلالة بأصحابها ، وعدم حرمان المهتدى من ثمرات هدايته. وعدم مؤاخذة النفس بجناية غيرها.
أي : وما صح وما استقام منا ، بل استحال في سنتنا المبنية على الحكم البالغة .. أن نعذب أحدا بنوع ما من العذاب دنيويا كان أو أخرويا ، على فعل شيء أو ترك شيء أصليا كان أو فرعيا ، حتى نبعث إليه (رَسُولًا) يهدى إلى الحق ، ويردع عن الضلال ، ويقيم الحجج ، ويمهد الشرائع .. (٤).
وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم ، تشبه هذه الآية ، في بيان أن اللَّه ـ تعالى ـ
__________________
(١) سورة العنكبوت الآية ١٣.
(٢) سورة النحل الآية ٢٥.
(٣) سورة التحريم الآية ٦.
(٤) تفسير الآلوسي ج ١٥ ص ٣٧.