لا يعذب أحدا من خلقه ، حتى يبعث إليه رسولا يبشره وينذره ، فيعصى ذلك الرسول ، ويستمر في كفره وضلاله بعد التبشير والإنذار.
ومن هذه الآيات قوله ـ تعالى ـ : (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ، وكانَ اللَّه عَزِيزاً حَكِيماً) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (ولَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِه ، لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ ونَخْزى) (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ ولا نَذِيرٍ ، فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ ونَذِيرٌ ..) (٣).
قال ابن كثير عند تفسيره لقوله ـ تعالى ـ : (وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) : هذا إخبار عن عدله ـ تعالى ـ وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، بإرسال الرسول إليه ، كما قال ـ تعالى ـ : (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ، قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّه مِنْ شَيْءٍ ...)
إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن اللَّه ـ تعالى ـ لا يدخل أحدا النار إلا بعد إرسال الرسول إليه .. (٤).
هذا ، وما ذهب إليه الإمام ابن كثير ، والإمام الآلوسي ، من أن اللَّه ـ تعالى ـ اقتضت رحمته وعدالته ، أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، عن طريق إرسال الرسل ، هو الذي نعتقده ، وتطمئن إليه نفوسنا ، لأنه هو الظاهر من معاني الآيات الكريمة ، ولأنه هو المناسب لرحمة اللَّه ـ تعالى ـ التي وسعت كل شيء.
وهناك من يرى أن من مات على الكفر فهو في النار ، ولو لم يرسل اللَّه ـ تعالى ـ إليه رسولا ، واستدلوا بأدلة لا مجال لذكرها هنا (٥).
ثم ساق ـ سبحانه ـ سنة من سننه في إهلاك الأمم ، وفي حال الذين يريدون العاجلة ، وحال الذين يريدون الآجلة ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) سورة النساء الآية ١٦٥.
(٢) سورة طه الآية ١٣٤.
(٣) سورة المائدة الآية ١٩.
(٤) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٥٠.
(٥) راجع تفسير الآلوسي ج ١٥ ص ٣٧ وتفسير أضواء البيان ج ٣ ص ٤٢٩ للشيخ الشنقيطي.