صَغِيراً (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) (٢٥)
وبعد أن ذكر ـ سبحانه ـ الأساس في قبول الأعمال ، وهو إخلاص العبادة له ـ عزوجل ـ وحده ، أتبع ذلك بتأكيد هذا الأساس بما هو من شرائط الإيمان الحق وشعائره فقال ـ تعالى ـ (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ..).
قال القرطبي ما ملخصه : (قَضى) أى : أمر وألزم وأوجب ...
والقضاء يستعمل في اللغة على وجوه ، فالقضاء بمعنى الأمر ، كما في هذه الآية والقضاء بمعنى الخلق كقوله (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) يعنى خلقهن ، والقضاء بمعنى الحكم ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) يعنى : احكم ما أنت تحكم. والقضاء بمعنى الفراغ من الشيء ، كقوله (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) أى فرغ منه.
والقضاء بمعنى الارادة. كقوله ـ تعالى ـ : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ..) (٢).
والمعنى : لقد نهى ربك عن الإشراك به نهيا قاطعا ، وأمر أمرا محكما لا يحتمل النسخ ، بأن لا تعبدوا أحدا سواه ، إذ هو الخالق لكل شيء ، والقادر على كل شيء ، وغيره مخلوق وعاجز عن فعل شيء إلا بإذنه ـ سبحانه ـ.
فالجملة الكريمة أمر لازم لإخلاص العبادة لله ، بعد النهى عن الإشراك به في قوله ـ تعالى ـ : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ..).
وقد جاء هذا الأمر بلفظ (قَضى) زيادة في التأكيد ، لأن هذا اللفظ هنا يفيد الوجوب القطعي الذي لا رجعة فيه ، كما أن اشتمال الجملة الكريمة على النفي والاستثناء ـ وهما أعلا مراتب القصر ـ يزيد هذا الأمر تأكيدا وتوثيقا.
ثم أتبع ـ سبحانه ـ الأمر بوحدانيته ، بالأمر بالإحسان إلى الوالدين فقال : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).
أى : وقضى ـ أيضا ـ بأن تحسنوا ـ أيها المخاطبون ـ إلى الوالدين إحسانا كاملا لا يشوبه سوء أو مكروه.
__________________
(٢) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٢٣٧.