وقد جاء الأمر بالإحسان إلى الوالدين عقب الأمر بوجوب إخلاص العبادة لله ، في آيات كثيرة. منها قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ..) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ..) (٢).
ولعل السر في ذلك هو الإشعار للمخاطبين بأهمية هذا الأمر المقتضى لوجوب الإحسان إلى الوالدين ، حيث إنهما هما السبب المباشر لوجود الإنسان في هذه الحياة ، وهما اللذان لقيا ما لقيا من متاعب من أجل راحة أولادهما ، فيجب أن يقابل ما فعلاه بالشكر والاعتراف بالجميل.
قال بعض العلماء : وقد جاءت هذه الوصية بأسلوب الأمر بالواجب المطلوب ، وهو الإحسان إلى الوالدين ، ولم تذكر بأسلوب النهى سموا بالإنسان عن أن تظن به الإساءة إلى الوالدين ، وكأن الإساءة إليهما ، ليس من شأنها أن تقع منه حتى يحتاج إلى النهى عنها .. (٣).
ثم فصل ـ سبحانه ـ مظاهر هذا الإحسان فقال : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ، وَلا تَنْهَرْهُما ، وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً ..).
و (إِمَّا) حرف مركب من «إن» الشرطية ، ومن «ما» المزيدة عليها للتأكيد ، وقوله : (أَحَدُهُما) فاعل يبلغن. وقرأ حمزة والكسائي إما يبلغان فيكون قوله (أَحَدُهُما) بدل من ألف الاثنين في يبلغان.
وقوله (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) جواب الشرط.
قال الآلوسى : و (أُفٍ) اسم صوت ينبئ عن التضجر ، أو اسم فعل مضارع هو أتضجر ..
وفيه نحو من أربعين لغة. والوارد من ذلك في القراءات سبع ثلاث متواترة ، وأربعة شاذة.
فقرأ نافع وحفص بالكسر والتنوين ، وهو للتنكير : فالمعنى : فلا تقل أتضجر تضجرا ما.
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ١٥١.
(٢) سورة البقرة الآية ٨٣.
(٣) تفسير القرآن الكريم ص ٤٣٤ لفضيلة الأمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت ـ رحمهالله.