وقرأ ابن كثير وابن عامر بالفتح دون تنوين ، والباقون بالكسر بدون تنوين .. (١).
وقوله (وَلا تَنْهَرْهُما) من النهر بمعنى الزجر ، يقال نهر فلان فلانا إذا زجره بغلظة.
والمعنى : كن ـ أيها المخاطب ـ محسنا إحسانا تاما بأبويك.
فإذا ما بلغ (عِنْدَكَ) أى : في رعايتك وكفالتك (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) سن الكبر والضعف (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) أى : قولا يدل على التضجر منهما والاستثقال لأى تصرف من تصرفاتهما.
قال البيضاوي : والنهى عن ذلك يدل على المنع من سائر أنواع الإيذاء قياسا بطريق الأولى ، وقيل عرفا كقولك : فلان لا يملك النقير والقطمير ـ فإن هذا القول يدل على أنه لا يملك شيئا قليلا أو كثيرا (٢).
وقوله (وَلا تَنْهَرْهُما) أى : ولا تزجرهما عما يتعاطيانه من الأفعال التي لا تعجبك.
فالمراد من النهى الأول : المنع من إظهار التضجر منهما مطلقا.
والمراد من النهى الثاني : المنع من إظهار المخالفة لهما على سبيل الرد والتكذيب والتغليظ في القول.
والتعبير بقوله : (عِنْدَكَ) يشير إلى أن الوالدين قد صارا في كنف الابن وتحت رعايته ، بعد أن بلغ أشده واستوى ، وبعد أن أصبح مسئولا عنهما ، بعد أن كانا هما مسئولين عنه.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى (عِنْدَكَ) قلت هو أن يكبرا ويعجزا ، وكانا كلّا على ولدهما لا كافل لهما غيره ، فهما عنده في بيته وكنفه ، وذلك أشق عليه وأشد احتمالا وصبرا ، وربما تولى منهما ما كانا يتوليانه منه في حالة الطفولة ، فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطاءة الخلق ، ولين الجانب ، حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما ، أو يستثقل من مؤنهما : أف ، فضلا عما يزيد عليه (٣).
والتقييد بحالة الكبر في قوله ـ تعالى ـ : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) جرى مجرى الغالب ، إذ أنهما يحتاجان إلى الرعاية في حالة الكبر ، أكثر من احتياجهما إلى ذلك في حالة قوتهما وشبابهما ، وإلا فالإحسان إليهما ، والعناية بشأنهما. واجب على الأبناء سواء كان الآباء في سن الكبر أم في سن الشباب أم في غيرهما.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٥٥.
(٢) تفسير البيضاوي ج ١ ص ٥٨٢.
(٣) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٤٤.