وقوله ـ سبحانه ـ : (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) أمر بالكلام الطيب معهما. بعد النهى عن الكلام الذي يدل على الضجر والقلق من فعلهما.
أى : وقل لهما بدل التأفيف والزجر ، قولا كريما حسنا ، يقتضيه حسن الأدب معهما ، والاحترام لهما والعطف عليهما.
وقوله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ..) زيادة في تبجيلهما والتلطف معهما في القول والفعل والمعاملة على اختلاف ألوانها.
أى : وبجانب القول الكريم الذي يجب أن تقوله لهما ، عليك أن تكون متواضعا معهما ، متلطفا في معاشرتهما ، لا ترفع فيهما عينا ، ولا ترفض لهما قولا ، مع الرحمة التامة بهما ، والشفقة التي لا نهاية لها عليهما.
قال الإمام الرازي ما ملخصه : وقوله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) المقصود منه المبالغة في التواضع.
وذكر القفال في تقريره وجهين : الأول : أن الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحه ، ولهذا السبب صار خفض الجناح كناية عن حسن التربية. فكأنه قال للولد : اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك في حال صغرك.
والثاني : أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه ، وإذا أراد ترك الطيران وترك الارتفاع خفض جناحه. فصار خفض الجناح كناية عن التواضع (١).
وإضافة الجناح إلى الذل إضافة بيانية ، أى : اخفض لهما جناحك الذليل و (مِنَ) في قوله (مِنَ الرَّحْمَةِ) ابتدائية. أى تواضع لهما تواضعا ناشئا من فرط رحمتك عليهما.
قال الآلوسى : وإنما احتاجا إلى ذلك ، لافتقارهما إلى من كان أفقر الخلق إليهما ، واحتياج المرء إلى من كان محتاجا إليه أدعى إلى الرحمة ، كما قال الشاعر :
يا من أتى يسألنى عن فاقتي |
|
ما حال من يسأل من سائله؟ |
ما ذلة السلطان إلا إذا |
|
أصبح محتاجا إلى عامله |
وقوله : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) تذكير للإنسان بحال ضعفه وطفولته ، وحاجته إلى الرعاية والحنان.
أى : وقل في الدعاء لهما : يا رب ارحمهما برحمتك الواسعة ، واشملهما بمغفرتك الغامرة ،
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٢٠ ص ١٩١.