وقوله (تُعْرِضَنَ) من الإعراض ، بمعنى صرف الوجه عن السائل حياء منه وبسبب عدم القدرة على تلبية طلبه.
وقوله : (ابْتِغاءَ) مفعول لأجله منصوب بتعرضن ، وهو من باب وضع المسبب موضع السبب. لأن الأصل : وإما تعرضن عنهم لإعسارك.
والمراد بالرحمة : انتظار الحصول على الرزق ، وحلول الفرج بعد الضيق.
والميسور : اسم مفعول من يسر الأمر ـ بالبناء للمفعول ـ مثل سعد الرجل ، ومعناه : السهل اللين.
والمعنى : وإما تعرضن ـ أيها المخاطب ـ عن ذي قرابتك وعن المسكين وابن السبيل ، بسبب إعسارك وانتظارك لرزق يأتيك من الله ـ عزوجل ـ فقل لهم في هذه الحالة قولا لينا رفيقا يدل على اهتمامك بشأنهم ، ويدخل السرور على نفوسهم ، كأن تقول لهم مثلا ـ : ليس عندي اليوم ما أقدمه لكم ، وإن يرزقني الله بشيء فسأجعل لكم نصيبا منه.
قال القرطبي ما ملخصه : وهو تأديب عجيب ، وقول لطيف بديع ، أى لا تعرض عنهم إعراض مستهين عن ظهر غنى وقدرة فتحرمهم ، وإنما يجوز أن تعرض عنهم عند عجز يعرض ، وعائق يعوق ، وأنت عند ذلك ترجو من الله ـ تعالى ـ فتح باب الخير ، لتتوصل به إلى مواساة السائل ، فإن قعد بك الحال (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) أى لينا لطيفا .. ولقد أحسن من قال :
إلّا تكن ورق يوما أجود بها |
|
للسائلين فإنى لين العود |
لا يعدم السائلون الخير من خلقي |
|
إما نوالى وإما حسن مردود (١) |
ثم أرشد ـ سبحانه ـ عباده إلى أفضل الطرق لإنفاق أموالهم والتصرف فيها ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ، وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ، فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً).
وقوله (مَغْلُولَةً) من الغل ـ بضم الغين ـ وأصله الطوق الذي يجعل في العنق وتربط به اليد ، كما يربط المذنب والأسير : وهو كناية عن البخل والتقتير.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ولا يقصد من يتكلم به إثبات يد ولا غل ولا بسط. ولا فرق عنده بين هذا الكلام وبين ما وقع مجازا عنه ، لأنهما كلامان معتقبان على حقيقة واحدة. حتى أنه يستعمله في ملك لا يعطى عطاء قط ، ولا
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٢٤٩.