يمنعه إلا بإشارته من غير استعمال يد وقبضها وبسطها. ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزيلا لقالوا : ما أبسط يده بالنوال ؛ لأن بسط اليد وقبضها عبارتان معاقبتان للبخل والجود .. (١).
وقوله : (مَحْسُوراً) من الحسور بمعنى الانقطاع عن الشيء ، والعجز عن الحصول عليه.
يقال : فلان حسره السير ، إذا أثر فيه أثرا بليغا جعله يعجز عن اللحاق برفقائه.
ويقال : بعير محسور. أى : ذهبت قوته وأصابه الكلل والإعياء. فصار لا يستطيع النهوض بما يوضع عليه من أحمال.
والمقصود من الآية الكريمة : الأمر بالتوسط والاعتدال في الإنفاق والنهى عن البخل والإسراف.
فقد شبه ـ سبحانه ـ مال البخيل ، بحال من يده مربوطة إلى عنقه ربطا محكما بالقيود والسلاسل ، فصار لا يستطيع تحريكها أو التصرف بها.
وشبه حال المسرف والمبذر ، بحال من مد يده وبسطها بسطا كبيرا ، بحيث أصبحت لا تمسك شيئا يوضع فيها سواء أكان قليلا أم كثيرا.
والمعنى : كن ـ أيها الإنسان ـ متوسطا في كل أمورك ، ومعتدلا في إنفاق أموالك بحيث لا تكون بخيلا ولا مسرفا ، فان الإسراف والبخل يؤديان بك إلى أن تصير ملوما. أى : مذموما من الخلق والخالق ، محسورا ، أى : مغموما منقطعا عن الوصول إلى مبتغاك بسبب ضياع مالك ، واحتياجك إلى غيرك.
قال الآلوسى ما ملخصه : فالآية الكريمة تحض على التوسط ، وذلك هو الجود الممدوح ، فخير الأمور أوساطها. وأخرجه أحمد وغيره عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما عال من اقتصد». وأخرجه البيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة». وفي رواية عن أنس مرفوعا : «التدبير نصف المعيشة ، والتودد نصف العقل ، والهم نصف الهرم ، وقلة العيال أحد اليسارين» وكما يقال : حسن التدبير مع الكفاف ، خير من الغنى مع الإسراف (٢).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٥٥.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٦٥.