يخلق خلقا لا يدبر لهم رزقهم ، ويعتدون على روح بريئة طاهرة ، تخوفا من فقر أو عار مترقب ، وذلك هو الضلال المبين.
ورحم الله الإمام الرازي فقد قال عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : إن قتل الأولاد إن كان لخوف الفقر ، فهو سوء ظن بالله. وإن كان لأجل الغيرة على البنات فهو سعى في تخريب العالم. فالأول : ضد التعظيم لأمر الله ـ تعالى ـ والثاني : ضد الشفقة على خلقه ، وكلاهما مذموم (١).
ولقد أمر النبي صلىاللهعليهوسلم برعاية الأبناء ، وحذر من الاعتداء عليهم في أحاديث كثيرة ، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال : قلت يا رسول الله ، أى الذنب أعظم؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قلت : ثم أى؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت : ثم أى؟ قال : أن تزنى بحليلة جارك (٢).
وبعد أن نهى ـ سبحانه ـ عن قتل الأولاد المؤدى إلى إفناء النسل ، أتبع ذلك بالنهى عن فاحشة الزنا المؤدية إلى اختلاط الأنساب : فقال ـ تعالى ـ : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ، إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً).
والزنا : وطء المرأة بدون عقد شرعي يجيز للرجل وطأها.
والفاحشة : ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال. يقال فحش الشيء ، فحشا ، كقبح قبحا ـ وزنا ومعنى ـ ، ويقال أفحش الرجل ، إذا أتى الفحش بضم الفاء وسكون الحاء ـ ، وهو القبيح من القول أو الفعل. وأكثر ما تكون الفاحشة إطلاقا على الزنا.
وتعليق النهى بقربانها ، للمبالغة في الزجر عنها ، لأن قربانها قد يؤدى إلى الوقوع فيها ، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
وهذا لون حكيم من ألوان إصلاح النفوس ، لأنه إذا حصل النهى عن القرب من الشيء ، فلأن ينهى عن فعله من باب أولى.
فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : كونوا ـ أيها المسلمون بعيدين عن كل المقدمات التي تفضى إلى فاحشة الزنا كمخالطة النساء ، والخلوة بهن ، والنظر إليهن ... فإن ذلك يفتح الطريق إلى الوقوع فيها.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٢٠ ص ٢٩٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٦٩.