قال بعض العلماء : وكثيرا ما يتعلق النهى في القرآن بالقربان من الشيء ، وضابطه بالاستقراء :
أن كل منهى عنه من شأنه أن تميل النفوس إليه ، وتدفع إليه الأهواء ، جاء النهى فيه عن القربان ، ويكون القصد التحذير من أن يأخذ ذلك الميل في النفس مكانة تصل بها إلى اقتراف المحرم ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...) (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ...)(وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ..).
أما المحرمات التي لم يؤلف ميل النفوس إليها ، ولا اقتضاء الشهوات لها ، فإن الغالب فيها ، أن يتعلق النهى عنها بنفس الفعل لا بالقربان منه.
ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ...) وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ..).
فهذه وإن كانت فواحش ، إلا أنها ليست ذات دوافع نفسية ، يميل إليها الإنسان بشهوته. بل هي في نظر العقل على المقابل من ذلك ، يجد الإنسان في نفسه مرارة ارتكابها ، ولا يقدم عليها إلا وهو كاره لها ، أو في حكم الكاره .. (١).
وقوله : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) تعليل للنهى عن الاقتراب منه ، أى : ابتعدوا عن مقدمات الزنا فضلا عن الوقوع فيه ذاته ، لأنه كان ـ وما زال ـ في شرع الله ، وفي نظر كل عقل سليم فعلة فاحشة ظاهرة القبح وبئس الطريق طريقه ، فإنها طريق تؤدى إلى غضب الله ـ تعالى ـ وسخطه.
ومما لا شك فيه أن فاحشة الزنا من أقبح الفواحش التي تؤدى إلى شيوع الفساد والأمراض الخبيثة في الأفراد والمجتمعات ، وما وجدت في أمة إلا وكانت عاقبتها خسرا.
ولقد تحدث الإمام الرازي عن تلك المفاسد التي تترتب على الزنا فقال ما ملخصه : الزنا اشتمل على أنواع من المفاسد ، أولها : اختلاط الأنساب واشتباهها ، فلا يعرف الإنسان أن الولد الذي أتت به الزانية ، أهو منه أو من غيره ...
وثانيا : أنه إذا لم يوجد سبب شرعي لأجله يكون هذا الرجل لتلك المرأة ، لم يبق في حصول ذلك الاختصاص إلا التواثب والتقاتل.
__________________
(١) تفسير القرآن العظيم ص ٤٤١ لفضيلة المرحوم الشيخ محمود شلتوت.