قال ـ تعالى ـ (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) (١).
وقال ـ تعالى ـ (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (٢).
وشبه ـ سبحانه ـ بقاءه بعد زوال كل شيء سواه بالوارث ، لأن الوارث هو الذي يرث غيره بعد موته.
وأكد ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بإن واللام وضمير الفصل (نَحْنُ) تحقيقا للخبر الذي اشتملت عليه ، وردا على المشركين الذين زعموا أنه لا حياة ولا ثواب ولا عقاب بعد الموت.
ثم أكد ـ سبحانه ـ شمول علمه لكل شيء بعد أن أكد شمول قدرته فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ).
والمراد بالمستقدمين من تقدم على غيره ولادة وموتا ، كما أن المراد بالمستأخرين من تأخر عن غيره في ذلك ، ولم يمت بعد ، أو لم يوجد بعد في عالم الأحياء.
والسين والتاء في اللفظين للتأكيد.
وقيل : المراد بهما الأحياء والأموات ، وقيل المراد بالمستقدمين : من تقدم في الوجود على الأمة الإسلامية ، وبالمستأخرين : الأمة الإسلامية.
وقيل : المراد بهما : من قتل في الجهاد ومن لم يقتل ، وقيل المراد بهما من تقدم في صفوف الصلاة ومن تأخر ...
قال الإمام ابن جرير بعد أن ساق جملة من الأقوال في ذلك : وأولى الأقوال عندي بالصحة ، قول من قال : ولقد علمنا الأموات منكم يا بنى آدم فتقدم موته ، ولقد علمنا المستأخرين الذين تأخر موتهم ممن هو حي ومن هو حادث منكم ممن لم يحدث بعد ...» (٣).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن مرجع الخلق جميعا إليه فقال : (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ، إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ).
أى : وإن ربك ـ وحده ـ أيها المخاطب ـ هو الذي يتولى حشر الأولين والآخرين ، وجمعهم يوم القيامة للحساب والثواب والعقاب ، إنه ـ سبحانه ـ (حَكِيمٌ) في كل
__________________
(١) سورة ق الآية ٤٣.
(٢) سورة مريم الآية ٤٠.
(٣) تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ٢٦.