الأرض ، وأنها تلقح الشجر ذا الثمرة ، بأن تنقل إلى نوره غبرة دقيقة من نور الشجر الذكر ، فتصلح ثمرته أو تثبت ..
وهذا هو الإبار. وبعضه لا يحصل إلا بتعليق الطلع الذكر على الشجرة المثمرة. وبعضه يكتفى منه بغرس شجرة ذكر في خلال شجر الثمر.
ومن بلاغة الآية الكريمة ، إيراد هذا الوصف ـ لواقح ـ لإفادة كلا العملين اللذين تعملهما الرياح ـ وهما الحمل للسحاب والمطر وغيرهما ، أو التلقيح لغيرها ـ.» (١).
وقوله (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ ..) تفريع على ما تقدم.
أى : وأرسلنا الرياح بقدرتنا من مكان إلى آخر ، حالة كونها حاملة للسحاب وغيره ، فأنزلنا ـ بسبب هذا الحمل ـ من جهة السماء ، ماء كثيرا هو المطر ، لتنتفعوا به في شرابكم ، وفي معاشكم ، وفي غير ذلك من ضرورات حياتكم.
قال ـ تعالى ـ : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ ، وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ...) (٢).
وقوله (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) تتميم لنعمة إنزال الماء.
أى : أنزلنا المطر من السماء ، وليست خزائنه عندكم. وإنما نحن الخازنون له ، ونحن الذين ننزله متى شئنا ، ونحن الذين نمنعه متى شئنا ، كما قال ـ تعالى ـ قبل ذلك : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ).
ويصح أن يكون المعنى : أنزلنا المطر من السماء فجعلناه لسقياكم ، وأنتم لستم بقادرين على خزنه وحفظه في الآبار والعيون وغيرها ، وإنما نحن القادرون على ذلك. قال ـ تعالى ـ (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) (٣).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن الإحياء والإماتة بيده وحده ، فقال ـ تعالى ـ : (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ).
أى : وإنا وحدنا القادرون على إيجاد الحياة في المخلوقات ، والقادرون على سلبها عنها ، ونحن الوارثون لهذا الكون بعد فنائه ، الباقون بعد زواله.
__________________
(١) تفسير التحرير والتنوير ج ١٤ ص ٣٨ لسماحة الشيخ الامام محمد الطاهر بن عاشور.
(٢) سورة النحل الآيتان ١٠ ، ١١.
(٣) سورة المؤمنون الآية ١٨.