التصرف في القاتل ، حتى لكأنه مملوك له.
وما دامت شريعة الله ـ تعالى ـ قد أعطت الولي هذا السلطان على القاتل ، فعليه أن لا يسرف في القتل ، وأن لا يتجاوز ما شرعه الله ـ تعالى ـ.
ومن مظاهر هذا التجاوز : أن يقتل اثنين ـ مثلا ـ في مقابل قتيل واحد أو أن يقتل غير القاتل ، أو أن يمثل بالقاتل بعد قتله.
قال الآلوسى ما ملخصه : كان من عادتهم في الجاهلية ، أنهم إذا قتل منهم واحد ، قتلوا قاتله ، وقتلوا معه غيره ...
وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أنه قال : إن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل من ليس شريفا شريفا ، لم يقتلوه به ، وقتلوا شريفا من قومه ، فنهوا عن ذلك ، كما نهوا عن المثلة بالقاتل.
وقرأ حمزة والكسائي : «فلا تسرف» بالخطاب للولي على سبيل الالتفات (١).
وقوله : (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) تذييل المقصود به تعليل النهى عن الإسراف في القتل. والضمير يعود إلى الولي ـ أيضا ـ.
أى : فلا يسرف هذا الولي في القتل ، لأن الله ـ تعالى ـ قد نصره عن طريق ما شرعه له من سلطان عظيم ، من مظاهره : المطالبة بالقصاص من القاتل ، أو بأخذ الدية ، ومن مظاهره ـ أيضا ـ وقوف الحاكم وغيره إلى جانبه حتى يستوفى حقه من القاتل ، دون أن ينازعه منازع في هذا الحق.
ومنهم من يرى أن الضمير في قوله (إِنَّهُ) يعود إلى المقتول ظلما ، على معنى : أن الله ـ تعالى ـ قد نصره في الدنيا بمشروعية القصاص والدية حتى لا يضيع دمه ، ونصره في الآخرة بالثواب الذي يستحقه ، وما دام الأمر كذلك فعلى وليه أن لا يسرف في القتل.
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب. لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة.
قال ابن جرير بعد أن ساق الأقوال في ذلك : وأشبه ذلك بالصواب عندي ، قول من قال : عنى بها ـ أى بالهاء في إنه ـ الولي ، وعليه عادت ، لأنه هو المظلوم ووليه المقتول ، وهي إلى ذكره أقرب من ذكر المقتول ، وهو المنصور ـ أيضا ـ لأن الله ـ جل ثناؤه ـ قضى في كتابه المنزل ، أن سلطه على قاتل وليه ، وحكمه فيه ، بأن جعل إليه قتله إن شاء ،
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٧٠.