أى : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها ، إلا بالحق الذي يبيح قتلها شرعا ، كردة ، أو قصاص ، أو زنا يوجب الرجم.
قال الإمام ابن كثير : يقول ـ تعالى ـ ناهيا عن قتل النفس بغير حق شرعي ، كما ثبت في الصحيحين ـ عن عبد الله بن مسعود ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والزاني المحصن ، والتارك لدينه المفارق للجماعة».
وفي السنن : «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم (١)».
وقوله : (إِلَّا بِالْحَقِ) متعلق بلا تقتلوا ، والباء للسببية ، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أى : لا تقتلوها في حال من الأحوال ، إلا في حال ارتكابها لما يوجب قتلها.
وذلك : لأن الإسلام ينظر إلى وجود الإنسان على أنه بناء بناه الله ـ تعالى ـ فلا يحل لأحد أن يهدمه إلا بحق.
وبهذا يقرر الإسلام عصمة الدم الإنسانى ، ويعتبر من يعتدى على نفس واحدة ، فكأنما قد اعتدى على الناس جميعا. قال ـ تعالى ـ : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ، وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ..) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) إرشاد لولى المقتول إلى سلوك طريق العدل عند المطالبة بحقه.
والمراد بوليه : من يلي أمر المقتول ، كأبيه وابنه وأخيه وغيرهم من أقاربه الذين لهم الحق في المطالبة بدمه. فإن لم يكن للمقتول ولى ، فالحاكم وليه.
والمراد بالسلطان : القوة التي منحتها شريعة الله ـ تعالى ـ لولى المقتول على القاتل ، حيث جعلت من حق هذا الولي المطالبة بالقصاص من القاتل ، أو أخذ الدية منه ، أو العفو عنه ، ولا يستطيع أحد أن ينازعه في هذا الحق ، أو أن يجبره على التنازل عنه.
والمعنى : ومن قتل مظلوما ، أى : بدون سبب يوجب قتله ، فإن دمه لم يذهب هدرا ، فقد شرعنا «لوليه سلطانا» على القاتل ، لأنه ـ أى الولي ـ إن شاء طالب بالقصاص منه ، وإن شاء أخذ الدية ، وإن شاء عفا عنه. وبذلك يصير الولي هو صاحب الكلمة الأولى في
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٧٠.
(٢) سورة المائدة الآية ٣٢.