أى : ولا تقربوا ـ أيها الأولياء على اليتيم ـ ماله الذي منحه الله إياه عن طريق الميراث أو غيره ، إلا بالطريقة التي هي أحسن الطرق ، والتي من شأنها أن تنفعه ، كالمحافظة عليه ، واستثماره له ، وإنفاقه في الوجوه المشروعة.
واعلموا أن كل تصرف مع اليتيم أو في ماله لا يقع في تلك الدائرة ـ دائرة الأنفع والأحسن ـ فهو تصرف محظور ومنهى عنه ، وسيحاسبكم الله ـ تعالى ـ عليه.
وتعليق النهى بالقربان ، للمبالغة في الزجر عن التصرف في مال اليتيم ، إلا بالطريقة التي هي أحسن.
وقوله : (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) ليس غاية للنهى ، إذ ليس المعنى : فإذا بلغ أشده فاقربوه ، لأن هذا المعنى يقتضى إباحة أكل الولي لمال اليتيم بعد بلوغه ، وإنما هو غاية لما يفهم من النهى ، فيكون المعنى : لا تقربوا مال اليتيم إلا بالطريقة التي هي أحسن ، واستمروا على ذلك حتى يبلغ أشده ، أى : حتى يصير بالغا عاقلا رشيدا ، فإذا ما صار كذلك ، فسلموا إليه ماله بأمانة واستعفاف عن التطلع إلى شيء منه.
هذا ، وقد أمرت شريعة الإسلام ، بحسن رعاية اليتيم ، وبالمحافظة على حقوقه ، ونهت عن الإساءة إليه ، بأى لون من ألوان الإساءة.
قال ـ تعالى ـ : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ، وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ..) (١).
وقال ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ، إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (٢).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن سهل بن سعد رضى الله عنه : «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى (٣).
وروى الشيخان عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا : يا رسول الله وما هن؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٢٢٠.
(٢) سورة النساء الآية ١٠.
(٣) من كتاب رياض الصالحين ص ١٣٧ للإمام النووي.