(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ ، كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ، إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ ، وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً. كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً. ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ. وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ. فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً).
قال القرطبي ـ رحمهالله ـ ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أى : ولا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك ـ من قول أو فعل ـ قال قتادة : لا تقل رأيت وأنت لم تر ، وسمعت وأنت لم تسمع ، وعلمت وأنت لم تعلم ..
ثم قال : وأصل القفو البهت ، والقذف بالباطل. ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمّنا ، ولا ننتفى من أبينا» أى : لا نسبّ أمنا.
وقال : قفوته أقفوه ... إذا اتبعت أثره. وقافية كل شيء آخره ، ومنه اسم النبي صلىاللهعليهوسلم : المقفّى ، لأنه آخر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ـ ، ومنه القائف ، وهو الذي يتبع الأثر .. (١).
وقال صاحب الكشاف ـ رحمهالله ـ : قوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) : يعنى ، ولا تكن في اتباعك ما لا علم لك به من قول أو فعل ، كمن يتبع مسلكا لا يدرى أنه يوصله إلى مقصده فهو ضال. والمراد : النهى عن أن يقول الرجل ما لا يعلم ، وأن يعمل بما لا يعلم. ويدخل فيه النهى عن التقليد الأعمى دخولا ظاهرا لأنه اتباع لما لا يعلم صحته من فساده .. (٢).
وقوله : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ ، كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) تحذير شديد من أن يقول الإنسان قولا لا علم له به ، أو أن يفعل فعلا بدون تحقق ، أو أن يحكم حكما بلا بينة أو دليل.
أى : إن السمع الذي تسمع به ـ أيها المكلف ـ ، والبصر الذي تبصر به ، والفؤاد ـ أى القلب ـ الذي تحيا به ، كل أولئك الأعضاء ستكون مسئولا عن أفعالها يوم القيامة ، وسيقال لك بتأنيب وتوبيخ : لما ذا سمعت ما لا يحل لك سماعه ، ونظرت إلى ما لا يجوز لك النظر إليه ، وسعيت إلى ما لا يصح لك أن تسعى إليه!!.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٢٥٧.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٤٩.