وعلى هذا التفسير يكون السؤال في قوله ـ تعالى ـ : (كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) للإنسان الذي تتبع ما ليس له به علم من قول أو فعل.
ومن الآيات التي تشهد لهذا التفسير قوله ـ تعالى ـ : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (١).
ومنهم من يرى أن السؤال موجه إلى تلك الأعضاء ، لتنطق بما اجترحه صاحبها ، ولتكون شاهدة عليه ، فيكون المعنى :.
إن السمع والبصر والفؤاد ، كل واحد من أولئك الأعضاء ، كان مسئولا عن فعله ، بأن يقال له : هل استعملك صاحبك فيما خلقت من أجله أولا؟.
ويكون هذا السؤال للأعضاء من باب التوبيخ لأصحابها ، كما قال ـ تعالى ـ : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٢).
وكما قال ـ سبحانه ـ : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣).
واسم الإشارة (أُولئِكَ) على التفسيرين يعود إلى السمع والبصر والفؤاد ، إما لأن هذا الاسم يشار به إلى العقلاء ويشار به إلى غير العقلاء ، كما في قول الشاعر :
ذمّ المنازل بعد منزلة اللوى |
|
والعيش بعد أولئك الأيام |
وإما لأن هذه الأعضاء أخذت حكم العقلاء ، لأنها جزء منهم ، وشاهدة عليهم.
وعلى كلا التفسيرين أيضا ، يتمثل التحذير الشديد للإنسان عن أن يتبع ما ليس له به علم.
قال الجمل : وقوله ـ تعالى ـ : (كُلُّ أُولئِكَ) مبتدأ ، خبره جملة (كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) ، والضمير في «كان» وفي «عنه» وفي «مسئولا» يعود على كل. أى : كان كل واحد منها مسئولا عن نفسه ، يعنى عما فعل به صاحبه : ويجوز أن يكون الضمير في : «عنه» لصاحب السمع والبصر والفؤاد .. (٤).
__________________
(١) سورة الحجر الآية ٩٢ ، ٩٣.
(٢) سورة يس الآية ٦٥.
(٣) سورة فصلت الآيتان ١٩ ، ٢٠.
(٤) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٢٥.