وشبيه بهذه الآية في النهى عن اتباع ما لا علم للإنسان به. قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ ، وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً ، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً ، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٢).
قال الإمام ابن كثير : ومضمون ما ذكروه ـ في معنى قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..) أن الله ـ تعالى ـ نهى عن القول بلا علم ، كما قال ـ سبحانه ـ : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ..) وفي الحديث : «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ...» وفي سنن أبى داود : «بئس مطية الرجل زعموا» وفي الحديث الآخر : «إن أفرى الفري ـ أى أكذب الكذب ـ أن يرى الرجل عينيه ما لم تريا» (٣).
وقال بعض العلماء : وهذه الكلمات القليلة ـ التي اشتملت عليها الآية ـ تقيم منهجا كاملا للقلب والعقل ، يشمل المنهج العلمي الذي عرفته البشرية حديثا جدا ، ويضيف إليه استقامة القلب ، ومراقبة الله ، ميزة الإسلام على المناهج العقلية الجافة!.
فالتثبت من كل خبر ، ومن كل ظاهرة ، ومن كل حركة ، قبل الحكم عليها ، هو دعوة القرآن الكريم ، ومنهج الإسلام الدقيق ..
فلا يقول اللسان كلمة ، ولا ينقل رواية ، ولا يروى حادثة ، ولا يحكم العقل حكما ، ولا يبرم الإنسان أمرا. إلا وقد تثبت من كل جزئية ، ومن كل ملابسة ومن كل نتيجة ، فلم يبق هنالك شك ولا شبهة في صحتها .. (٤).
ثم ينتقل القرآن الكريم من النهى عن أن يتبع الإنسان ما لا علم له به ، إلى النهى عن التفاخر والتكبر والإعجاب في النفس فيقول : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ...).
والمرح في الأصل : شدة الفرح ، والتوسع فيه ، مع الخيلاء والتعالي على الناس ، يقال : مرح ـ بزنة فرح ـ يمرح مرحا ، إذا اشتد فرحه ومشى مشية المتكبرين. وهو مصدر وقع موقع الحال.
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ٣٣.
(٢) سورة البقرة الآية ١٦٨ ، ١٦٩.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٧٢.
(٤) من تفسير «في ظلال القرآن» ج ١٥ ص ٢٢٢٧.