أى : ولا تمش ـ أيها الإنسان ـ في الأرض مشية الفخور المتكبر المختال بل كن متواضعا متأدبا بأدب الإسلام في سلوكك.
وتقييد النهى بقوله «في الأرض» للتذكير بالمبدأ والمعاد ، المانعين من الكبر والخيلاء ، إذ من الأرض خلق وإليها يعود ، ومن كان كذلك كان جديرا به أن يتواضع لا أن يتكبر.
قال ـ تعالى ـ : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ ، وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ ، وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) تعليل للنهى عن التفاخر مع السخرية والتهكم من المتفاخر المغرور.
أى : إنك ـ أيها الماشي في الأرض مرحا ـ لن تخرق الأرض بوطئك عليها ، أو بمشيك فوقها ، ولن تبلغ ـ مهما ارتفعت قامتك ـ الجبال في الطول والعلو. ومادام شأنك كذلك ، فكن متواضعا ، فمن تواضع لله ـ تعالى ـ رفعه.
وقوله «طولا» تمييز محول عن الفاعل. أى : لن يبلغ طولك الجبال.
وشبيه بهذه الآية في النهى عن التعالي والتطاول ، قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ، وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ، إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) (٢).
وقد أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالتواضع ، ونهى عن التكبر والغرور ، وبين سوء عاقبة ذلك في أحاديث كثيرة ، منها ما رواه مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله ـ تعالى ـ أوحى إلى أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغى أحد على أحد» (٣).
وروى الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا» (٤).
وروى الترمذي عن سلمة بن الأكوع قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يزال الرجل يذهب بنفسه ـ أى يرتفع ويتكبر ـ حتى يكتب في الجبارين ـ فيصيبه ما أصابهم» (٥).
ورحم الله القائل :
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا |
|
فكم تحتها قوم همو منك أرفع |
وإن كنت في عز وحرز ومنعة |
|
فكم مات من قوم همو منك أمنع |
__________________
(١) سورة طه الآية ٥٥.
(٢) سورة لقمان الآية ١٨.
(٣ ، ٤ ، ٥) من كتاب رياض الصالحين ص ٢٨٥ للإمام النووي.