عن الانتفاع بهدى القرآن الكريم ، بسبب جحودهم وجهلهم وإصرارهم على كفرهم. فهو حجاب معنوي خفى ، حال بينهم وبين الانتفاع بالقرآن.
فهم يستمعون إليه ، ولكنهم يجاهدون قلوبهم ألا ترق له ، ويمانعون فطرتهم عن التأثر به ، فكان استماعهم له كعدمه ، وعاقبهم الله على ذلك بأن طمس بصائرهم عن فقهه.
والمعنى : وإذا قرأت ـ أيها الرسول الكريم ـ القرآن الهادي إلى الطريق التي هي أقوم ، جعلنا ـ بقدرتنا ، ومشيئتنا ـ ، بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة ، حجابا يحجبهم ويمنعهم عن إدراك أسراره وهداياته ، وساترا بينك وبينهم ، بحيث لا يصل القرآن إلى قلوبهم وصول انتفاع وهداية.
ويشهد لهذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ ، فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) (١).
ومن المفسرين الذين اكتفوا بهذا القول ، فلم يذكروا غيره ، الإمام البيضاوي ، فقد قال ـ رحمهالله : قوله : وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا يحجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم (مَسْتُوراً) ذا ستر : كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أى مستورا عن الحس .. (٢).
أما القول الثاني فيرى أصحابه : أن المراد بالحجاب المستور ، أن الله ـ تعالى ـ يحجب نبيه صلىاللهعليهوسلم عن أعين المشركين ، بحيث لا يرونه في أوقات معينة ، لحكم منها : النجاة من شرورهم.
فيكون المعنى : وإذا قرأت القرآن ـ أيها الرسول الكريم ـ جعلنا بينك وبين هؤلاء الكافرين ، حجابا ساترا لك عنهم بحيث لا يرونك ، عند ما تكون المصلحة في ذلك.
وقد استشهد أصحاب هذا القول بما أخرجه الحافظ أبو يعلى عن أسماء بنت أبى بكر قالت : لما نزلت سورة (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة ، وفي يدها فهر ـ أى حجر ـ وهي تقول : مذمّما أتينا ، وأمره عصينا ، ودينه قلينا ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس ، وأبو بكر إلى جنبه.
فقال أبو بكر : يا رسول الله ، لقد أقبلت هذه وأخاف أن تراك ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «إنها
__________________
(١) سورة فصلت الآية ٥.
(٢) تفسير البيضاوي ج ١ ص ٥٨٧.