لن تراني» وقرأ قرآنا اعتصم به منها ، ومما قرأه ـ : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً).
فجاءت حتى قامت على أبى بكر ، فلم تر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالت : يا أبا بكر ، بلغني أن صاحبك هجانى : فقال أبو بكر : لا ورب هذا البيت ما هجاك.
فانصرفت وهي تقول : لقد علمت قريش أنى بنت سيدها (١).
ومن المفسرين الذين استظهروا هذا القول ، الإمام القرطبي ، فقد قال بعد أن ذكر ما روى عن أسماء بنت أبى بكر ـ رضى الله عنهما ـ : وقال سعيد بن جبير : لما نزلت سورة (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) جاءت امرأة أبى لهب إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ومعه أبو بكر ، فقال أبو بكر لو تنحيت عنها لئلا تسمعك ما يؤذيك فإنها امرأة بذيّة.
فقال صلىاللهعليهوسلم : «إنه سيحال بيني وبينها» فلم تره. فقالت لأبى بكر : يا أبا بكر هجانا صاحبك.
فقال أبو بكر : والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله. فاندفعت راجعة. فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أما رأتك؟.
قال : لا. ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت.
ثم قال القرطبي : وقيل : الحجاب المستور ، طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه : ولا يدركوا ما فيه من الحكمة. قاله قتادة. وقال الحسن : أى أنهم لإعراضهم عن قراءتك ، وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب في عدم رؤيتهم لك ، حتى كأن على قلوبهم أغطية ...
ثم قال : والقول الأول أظهر في الآية (٢).
ويبدو لنا أن كلا القولين صحيح في ذاته ، وأن كل واحد منهما يحكى حالات معينة ، ويشهد لذلك ما نقله الجمل في حاشيته على الجلالين عن شيخه فقد قال ـ رحمهالله ـ. قوله : (حِجاباً مَسْتُوراً) ، أى : ساترا لك عنهم فلا يرونك وهذا بالنسبة لبعضهم ، كان يحجب بصره عن رؤية النبي صلىاللهعليهوسلم إذا أراده بمكروه وهو يقرأ القرآن : وبعضهم كان يحجب قلبه عن إدراك معاني القرآن .. وبعضهم كان ينفر عند قراءة القرآن .. (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٨٩.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٢٦٩.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٦٨. بتصرف وتلخيص ـ.