أعقاب أمر الله ـ تعالى ـ لهم مباشرة ، بدون تأخير أو تسويف.
وقوله ـ تعالى ـ : (قالَ أَأَسْجُدُ ...) استئناف بيانى ، فكأنه قيل : فماذا كان موقف إبليس من هذا الأمر؟ فكان الجواب أن إبليس فسق عن أمر ربه وقال ما قال.
والاستفهام في (أَأَسْجُدُ) للإنكار والتعجب ، لأن يرى ـ لعنه الله ـ أنه أفضل من آدم.
وقوله : (طِيناً) منصوب بنزع الخافض أى : من طين.
وقد جاء التصريح بإباء إبليس عن السجود لآدم ، بأساليب متنوعة ، وفي آيات متعددة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٢).
ثم فصل ـ سبحانه ـ ما قاله إبليس في اعتراضه على السجود لآدم فقال : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ، لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً).
ورأى هنا علمية فتتعدى إلى مفعولين ، أولهما (هذَا) والثاني محذوف لدلالة الصلة عليه ، والكاف حرف خطاب مؤكد لمعنى التاء قبله ، والاسم الموصول (الَّذِي) بدل من (هذَا) أو صفة له ، والمراد من التكريم في قوله (كَرَّمْتَ عَلَيَ) : التفضيل.
والمعنى : قال إبليس في الرد على خالقه ـ عزوجل ـ : أخبرنى عن هذا الإنسان المخلوق من الطين ، والذي فضلته على ، لما ذا فضلته على وأمرتنى بالسجود له مع أننى أفضل منه ، لأنه مخلوق من طين ، وأنا مخلوق من نار!!
وجملة هذا الذي كرمت على ، واقعة موقع المفعول الثاني.
ومقصود إبليس من هذا الاستفهام ، التهوين من شأن آدم ـ عليهالسلام ـ والتقليل من منزلته. ولم يجبه ـ سبحانه ـ على سؤاله ، تحقيرا له. وإهمالا لشخصه ، بسبب اعتراضه على أمر خالقه ـ عزوجل ـ.
ثم أكد إبليس كلامه فقال : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً).
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٣٤.
(٢) سورة الحجر الآيتان ٣٠ ، ٣١.