وقوله (مَوْفُوراً) اسم مفعول ، من قولهم وفر الشيء فهو وافر وموفور أى : مكمل متمم. وهو صفة لقوله : (جَزاءً).
وهذا الوعيد الذي توعد الله ـ تعالى ـ به إبليس وأتباعه ، جاء ما يشبههه في آيات كثيرة ، منها قوله ـ سبحانه ـ : (قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ).
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى إهانته وتحقيره لإبليس أوامر أخرى ، فقال ـ تعالى ـ : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ، وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ، وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ، وَعِدْهُمْ ، وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً).
قال الجمل : أمر الله ـ تعالى ـ إبليس بأوامر خمسة ، القصد بها : التهديد والاستدراج ، لا التكليف ، لأنها كلها معاص ، والله لا يأمر بها (١).
وهذه الأوامر الخمسة هي : اذهب ، واستفزز ... وأجلب ... وشاركهم ... وعدهم.
وقوله : واستفزز ، من الاستفزاز ، بمعنى الاستخفاف والإزعاج ، يقال : استفز فلان فلانا إذا استخف به ، وخدعه ، وأوقعه فيما أراده منه. ويقال : فلان استفزه الخوف ، إذا أزعجه.
وقوله : (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) أصل الإجلاب : الصياح بصوت مسموع. يقال : أجلب فلان على فرسه وجلب عليه ، إذا صاح به ليستحثه على السرعة في المشي.
قال الآلوسى : قوله (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ) أى : صح عليهم من الجلبة وهي الصياح. قاله الفراء وأبو عبيدة. وقال الزجاج : أجلب على العدو : جمع عليه الخيل. وقال ابن السكيت : جلب عليه : أعان عليه. وقال ابن الأعرابى : أجلب على الرجل ، إذا توعده الشر ، وجمع عليه الجمع.
والخيل : يطلق على الأفراس حقيقة ولا واحد له من لفظه ، وعلى الفرسان مجازا ، وهو المراد هنا.
ومنه قول الرسول صلىاللهعليهوسلم في بعض غزواته لأصحابه : «يا خيل الله اركبي». والرجل ـ بكسر الجيم ـ بمعنى راجل ـ كحذر بمعنى حاذر ـ هو الذي يمشى رجلا ، أى غير راكب ...» (٢).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٣٤.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ١١١.