أى : اذكروا ـ أيها الناس ـ لتعتبروا وتشكروا ربكم الذي من مظاهر نعمته عليكم ، أنه يسوق لكم ـ بلطفه وقدرته ـ السفن التي تركبونها في البحر لكي تطلبوا من وراء ركوبها الرزق الذي يصلح معاشكم ، والذي هو لون من ألوان فضل الله عليكم.
وقوله : لتبتغوا من فضله ، تعليل لإزجاء الفلك ، وتصريح بوجوه النفع التي تفضل الله ـ تعالى ـ بها عليهم.
وقوله : (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) تعليل ثان لهذا الإزجاء.
أى : يزجى لكم الفلك في البحر ، لتطلبوا من وراء ذلك ما ينفعكم ، ولأنه ـ سبحانه ـ كان أزلا وأبدا ، بكم دائم الرحمة والرأفة.
ثم انتقل ـ سبحانه ـ من الحديث عن مظاهر نعمه عليهم ، في حال سوق السفن ودفعها بهم في البحر برفق وأناة ، إلى بيان رعايته لهم في حال اضطرابها وتعرضها للغرق ، بسبب هيجان البحر وارتفاع أمواجه ، فقال ـ تعالى ـ : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ...).
والمس : اتصال أحد الشيئين بآخر على وجه الإحساس والإصابة ، والمراد به هنا : ما يعتريهم من خوف وفزع ، وهم يرون سفينتهم توشك على الغرق.
والمراد بالضر هنا : اضطراب الفلك ، وارتفاع الأمواج ، واشتداد العواصف ، وتعرضهم للموت من كل مكان.
المعنى : وإذا أحاطت بكم الأمواج من كل جانب وأنتم على ظهور سفنكم وأوشكتم على الغرق .. ذهب وغاب عن خواطركم وأذهانكم ، كل معبود سوى الله ـ عزوجل ـ لكي ينقذكم مما أنتم فيه من بلاء ، بل إياه وحده ـ سبحانه ـ تدعون ليكشف عنكم ما نزل بكم من سوء.
فالجملة الكريمة تصوير مؤثر بديع لبيان أن الإنسان عند الشدائد والمحن لا يتجه بدعائه وضراعته إلا إلى الله ـ تعالى ـ وحده.
قال القرطبي : (ضَلَ) معناه ؛ تلف وفقد وهي عبارة عن تحقير لمن يدعى إلها من دون الله. والمعنى في هذه الآية : أن الكفار إنما يعتقدون في أصنامهم أنها شافعة ، وأن لها فضلا ، وكل واحد منهم بالفطرة يعلم علما لا يقدر على مدافعته أن الأصنام لا فعل لها في الشدائد ،