فوقّفهم الله من ذلك على حالة البحر حيث تنقطع الحيل» (١).
وقال الإمام ابن كثير : يخبر تبارك وتعالى أن الناس إذا مسهم ضر دعوه منيبين إليه مخلصين له الدين ، ولهذا قال ـ تعالى ـ : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) أى : ذهب عن قلوبكم كل ما تعبدون غير الله ـ تعالى ـ كما اتفق لعكرمة بن أبى جهل ، لما ذهب فارا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين فتح مكة ، فذهب هاربا فركب في البحر ليدخل الحبشة ، فجاءتهم ريح عاصف ، فقال القوم بعضهم لبعض : إنه لا يغنى عنكم إلا أن تدعو الله وحده.
فقال عكرمة في نفسه : والله إن كان لا ينفع في البحر غيره ، فإنه لا ينفع في البر غيره ، اللهم لك على عهد لئن أخرجتنى منه ، لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد صلىاللهعليهوسلم فلأجدنه رءوفا رحيما. فخرجوا من البحر ، فرجع إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم فأسلم وحسن إسلامه ـ رضى الله عنه» (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) بيان لطبيعة الإنسان إلا من عصم الله.
أى : فلما نجاكم الله ـ تعالى ـ بلطفه وإحسانه : من الغرق ، وأوصلكم سالمين إلى البر ، أعرضتم عن طاعته ، وتركتم دعاءه والضراعة إليه ، وكان الإنسان الفاسق عن أمر ربه ، (كَفُوراً) أى : كثير الكفران والجحود لنعم ربه ـ عزوجل ـ.
قال الآلوسي ما ملخصه : وقوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) كالتعليل للإعراض ، ويعلم منه حكم أولئك المخاطبين ، وفيه قال الآلوسي ما ملخصه : وقوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) كالتعليل للإعراض ، ويعلم منه حكم أولئك المخاطبين ، وفيه لطافة حيث أعرض ـ سبحانه ـ عن خطابهم بخصوصهم ، وذكر أن جنس الإنسان مجبول على الكفران ، فلما أعرضوا أعرض الله ـ تعالى ـ عنهم» (٣).
وفي معنى هذه الآية جاءت آيات كثيرة. منها قوله ـ تعالى ـ (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (٤).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٢٩١.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٥٠.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ١١٦.
(٤) سورة العنكبوت الآية ٦٥.