اللَّيْلَ وَالنَّهارَ. وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (١).
وأنه سجل هذا التكريم في القرآن الكريم ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكفاهم بذلك شرفا وفخرا.
وقوله ـ تعالى ـ (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) بيان لنوع من أنواع هذا التكريم. أى : وحملناهم بقدرتنا ورعايتنا في البر على الدواب وغير ذلك من وسائل الانتقال كالقطارات والسيارات وغيرها ، وحملناهم في البحر على السفن وعابرات البحار التي تنقلهم من مكان إلى آخر.
وقوله : (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) بيان لنوع آخر من أنواع التكريم. أى : ورزقناهم بفضلنا وإحساننا من طيبات المطاعم والمشارب والملابس ، التي يستلذونها ، ولا يستغنون عنها في حياتهم.
وقوله : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) بيان لنوع ثالث من أنواع التكريم ، أى : وبسبب هذا التكريم فضلناهم على كثير من مخلوقاتنا التي لا تحصى ، تفضيلا عظيما.
وعلى هذا التفسير يكون التفضيل لونا من ألوان التكريم الذي منحه الله ـ تعالى ـ لبنى آدم.
وبعضهم يرى أن هناك فرقا بين التكريم والتفضيل ، ومن هذا البعض الإمام الفخر الرازي ، فقد قال ـ رحمهالله ـ ما ملخصه : لقد قال الله ـ تعالى ـ في أول الآية (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) وقال في آخرها (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً). ولا بد من الفرق بين هذا التكريم والتفضيل وإلا لزم التكرار.
والأقرب أن يقال : إنه ـ تعالى ـ فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية ، مثل : العقل ، والنطق ، والصورة الحسنة .. ثم إنه ـ تعالى ـ عرضه بواسطة ذلك لاكتساب العقائد الحقة ، والأخلاق الفاضلة فالأول : هو التكريم ، والثاني : هو التفضيل» (٢).
وكأن الفخر الرازي يرى أن التكريم يرجع إلى الصفات الخلقية التي امتاز بها بنو آدم ، أما التفضيل فيرجع إلى ما اكتسبوه من عقائد سليمة ، وأخلاق قويمة.
__________________
(١) سورة إبراهيم الآيات ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ٤٢١.