هذا ، وقد أخذ صاحب الكشاف من هذه الجملة وهي قوله ـ تعالى ـ : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) أن الملائكة أفضل من البشر ، لأنهم ـ أى الملائكة ـ هم المقصودون بالقليل الذي لم يفضل عليه بنو آدم.
قال ـ رحمهالله ـ : قوله : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا ...) هو ما سوى الملائكة وحسب بنى آدم تفضيلا ، أن ترفع عليهم الملائكة ـ وهم هم ـ ، ومنزلتهم عند الله منزلتهم ...» (١).
ويرى كثير من المفسرين أن المراد بالتفضيل هنا : تفضيل الجنس ، ولا يلزم منه تفضيل كل فرد على كل فرد.
قال الجمل ما ملخصه : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) المراد تفضيل جنس البشر على أجناس غيره كالملائكة ، ولا يلزم من تفضيل جنس البشر على جنس الملك تفضيل الأفراد ، إذ الملائكة في جملتهم أفضل من البشر غير الأنبياء. وصلحاء البشر ـ كالصديق ـ أفضل من عوام الملائكة ، أى : غير الرؤساء منهم ، على المعتمد من طريقة التفضيل» (٢).
والذي تطمئن إليه النفس في هذه المسألة ـ والله أعلم ـ : أن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أفضل من الملائكة جميعا ، لأن الله ـ تعالى ـ قد أمر الملائكة بالسجود لآدم الذي جعله خليفة له في أرضه ، دون غيره من الملائكة ...
وأن الرسل من الملائكة ـ كجبريل وإسرافيل وعزرائيل وميكائيل ـ أفضل من عموم البشر ـ سوى الأنبياء ـ ، لأن هؤلاء الرسل قد اصطفاهم الله ـ تعالى ـ واختارهم لوظائف معينة ، قال ـ تعالى ـ (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ).
وأن صلحاء البشر ـ كالعشرة المبشرين بالجنة ـ أفضل من عامة الملائكة ، لأن الملائكة ليست فيهم شهوة تدفعهم إلى مخالفة ما أمر الله به ... أما بنو آدم فقد ركب الله ـ تعالى ـ فيهم شهوة داعية إلى ارتكاب المعصية ، ومقاومة هذه الشهوات جهاد يؤدى إلى رفع الدرجات ...
ومن العلماء الذين بسطوا القول في هذه المسألة الإمام الفخر الرازي ، فليرجع إليه من شاء (٣).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦٨١.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٣٨.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ٤٢١.