أى : فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، امتثالا وطاعة لله ـ تعالى ـ ، إلا إبليس فإنه امتنع عن أن يكون مع الساجدين. تكبرا وغرورا وعصيانا لأمر الله ـ تعالى ـ.
وللعلماء في كون إبليس من الملائكة ، أم لا ، قولان :
أحدهما : أنه كان منهم ، لأنه ـ سبحانه ـ أمرهم بالسجود لآدم ، ولو لا أنه كان منهم لما توجه إليه الأمر بالسجود ، ولو لم يتوجه إليه الأمر بالسجود لما كان عاصيا ، ولما استحق الطرد واللعنة ، ولأن الأصل في المستثنى أن يكون داخلا تحت اسم المستثنى منه ، حتى يقوم دليل على أنه خارج عنه. وعلى هذا الرأى الذي اختاره ابن عباس وابن مسعود وغيرهما يكون الاستثناء متصلا.
والثاني : أنه لم يكن من الملائكة ، لقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ، فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ..) (١) فهو أصل الجن ، كما أن آدم أصل الإنس ، ولأنه خلق من نار ، والملائكة خلقوا من نور ، ولأن له ذرية ، والملائكة لا ذرية لهم ..
وعلى هذا الرأى الذي اختاره الحسن وقتادة وغيرهما يكون الاستثناء منقطعا.
قال الشيخ القاسمى : «وقد حاول الإمام ابن القيم ـ رحمهالله ـ أن يجمع بين الرأيين فقال : والصواب التفصيل في هذه المسألة ، وأن القولين في الحقيقة قول واحد. فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته وليس منهم بمادته وأصله فإن أصله من نار وأصل الملائكة من نور ، فالنافي كونه من الملائكة والمثبت كونه منهم لم يتواردا على محل واحد» (٢).
والذي نميل إليه في هذه المسألة أن إبليس لم يكن من الملائكة ، بدليل الحديث الصحيح الذي يقول فيه النبي صلىاللهعليهوسلم : «خلقت الملائكة من نور. وخلقت الجان من مارج من نار ، وخلق بنو آدم مما وصف لكم» (٣) والآية الكريمة ـ وهي قوله ـ تعالى ـ (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) صريحة في أنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة.
ومع هذا فإن الأمر بالسجود يشمله ، بدليل قوله ـ تعالى ـ (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ
__________________
(١) سورة الكهف الآية ٥٠.
(٢) تفسير القاسمى ج ٢ ص ١٠٤.
(٣) صحيح مسلم «كتاب الزهد» باب في أحاديث متفرقة ج ٨ ص ٢٢٧.