إضافة خلق إلى خالق ، فالروح خلق من خلقه أضافه ـ سبحانه ـ إلى نفسه تشريفا وتكريما ، كقوله ، أرضى وسمائي وبيتي وناقة الله وشهر الله ... (١).
وقوله (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) أمر منه ـ سبحانه ـ للملائكة بالسجود لآدم.
أى : فإذا سويت خلقه ، وأفضت عليه ما به حياته ، فاسقطوا وخروا له ساجدين ، سجود تحية وتكريم ، لا سجود عبادة ، فإن سجود العبادة لي وحدي.
وقال ـ سبحانه ـ (فَقَعُوا ..) بفاء التعقيب ، للإشعار بأن سجودهم له واجب عليهم عقب التسوية والنفخ من غير إبطاء أو تأخير.
وهذا نوع من تكريم الله ـ تعالى ـ لعبده آدم ـ عليهالسلام ـ ، وله ـ سبحانه ـ أن يكرم بعض عباده بما يشاء ، وكيف شاء .. (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان من الملائكة بعد ذلك فقال : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) أى : امتثل الملائكة لأمر الله بعد أن خلق ـ سبحانه ـ آدم وسواه ونفخ فيه من روحه ، فسجدوا له كلهم أجمعون دون أن يتخلف منهم أحد.
وجمع ـ سبحانه ـ بين لفظي التوكيد (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) للمبالغة في ذلك ، ولإزالة أى التباس بأن أحدا شذ عن طاعة الله ـ تعالى ـ.
وقوله (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) بيان لموقف إبليس من أمر الله ـ تعالى ـ. وإبليس : اسم مشتق من الإبلاس ، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس ، وفعله أبلس ، والراجح أنه اسم أعجمى ، ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. وهو كائن حي ، وقد أخطأ من حمله على معنى داعي الشر الذي يخطر في النفوس ، لأنه ليس من المعقول أن يكون الأمر كذلك مع أن القرآن أخبرنا بأنه يرى الناس ولا يرونه.
قال ـ تعالى ـ (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ...) (٣).
وقوله (أَبى) من الإباء وهو الامتناع عن فعل الشيء مع القدرة على فعله ، بسبب الغرور والتكبر والتعاظم.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٢٥.
(٢) سورة الأنبياء الآية ٢٣.
(٣) سورة الأعراف الآية ٢٧.