والجار والمجرور صفة لصلصال أى : من صلصال كائن من حمأ ، ومسنون صفة لحمإ.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك المادة التي خلق منها الجان فقال ـ سبحانه ـ : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ).
والمراد بالجان هنا : أبو الجن عند جمهور المفسرين. وقيل هو إبليس. وقيل هو اسم لجنس الجن. وسمى جانا لتواريه عن الأعين ، واستتاره عن بنى آدم.
أى : والجان خلقناه (مِنْ قَبْلُ) أى : من قبل خلق آدم (مِنْ نارِ السَّمُومِ) أى : من الريح الحارة التي تقتل. وسميت سموما ، لأنها لشدة حرارتها ، وقوة تأثيرها تنفذ في مسام البدن.
قال ابن كثير : وقد ورد في الحديث الصحيح : «خلقت الملائكة من نور ، وخلقت الجان من مارج من نار ، وخلق بنو آدم مما وصف لكم» (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما أمر به ملائكته عند ما توجهت إرادته ـ سبحانه ـ لخلق آدم ، فقال ـ تعالى ـ : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ، فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ).
أى : واذكر ـ أيها العاقل ـ وقت أن قال ربك ـ سبحانه ـ للملائكة ـ الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ـ (إِنِّي خالِقٌ) بقدرتي (بَشَراً) أى : إنسانا ، وعبر عنه بذلك اعتبارا بظهور بشرته وهي ظاهر الجلد (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ).
(فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أى : سويت خلق هذا البشر ، وكملت أجزاءه ، وجعلته في أحسن تقويم ...
(وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) أى : وضعت فيه ما به حياته وحركته وهو الروح ، الذي لا يعلم حقيقته أحد سواي.
قال القرطبي : قوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) النفخ إجراء الريح في الشيء. والروح جسم لطيف ، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم. وحقيقته
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٥١.