وقوله (مَسْنُونٍ) أى : مصوّر من سنّة الوجه وهي صورته. وأنشد لذلك ابن عباس قول عمه حمزة يمدح النبي صلىاللهعليهوسلم :
أغرّ كأن البدر سنّة وجهه |
|
جلا الغيم عنه ضوؤه فتبددا |
وقيل مسنون : أى مصبوب ، من سنّ الماء بمعنى صبه. ويقال شنّ ـ بالشين أيضا ـ ؛ أى : مفرغ على هيئة الإنسان ... وقيل : المسنون : المنتن ...» (١).
والذي يتدبر القرآن الكريم يرى أن الله ـ تعالى ـ قد وضح في آيات متعددة أطوار خلق آدم ـ عليهالسلام ـ ، فقد بين في بعض الآيات أنه خلقه من تراب ، كما في قوله ـ تعالى ـ (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ...) (٢).
وبين في آيات أخرى أنه ـ سبحانه ـ خلقه من طين ، كما في قوله ـ تعالى ـ (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) (٣).
وبين هنا أنه ـ سبحانه ـ خلقه (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ).
قال الجمل : وهذا الطور آخر أطوار آدم الطينية ، وأول ابتدائه أنه كان ترابا متفرق الأجزاء ، ثم بلّ ـ أى التراب ـ فصار طينا ، ثم ترك حتى أنتن وأسود فصار حمأ مسنونا.
أى : متغيرا ، ثم يبس فصار صلصالا ، وعلى هذه الأحوال والأطوار تتخرج الآيات الواردة في أطواره الطينية ، كآية خلقه من تراب ، وآية (بَشَراً مِنْ طِينٍ) (٤) وهذه الآية التي نحن فيها» (٥).
والمقصود من هذه الآيات الكريمة ، التنبيه على عجيب صنع الله ـ تعالى ـ وعظيم قدرته ، حيث أخرج ـ سبحانه ـ من هذه المواد بشرا سويا ، في أحسن تقويم.
وأكد ـ سبحانه ـ الجملة الكريمة بلام القسم وقد ، لزيادة التحقيق ، وللإرشاد إلى أهمية هذا الخلق ، وأنه بهذه الصفة.
و (مِنْ) في قوله (مِنْ صَلْصالٍ) لابتداء الغاية أو للتبعيض ، وفي قوله (مِنْ حَمَإٍ) ابتدائية.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٣١.
(٢) سورة آل عمران الآية ٥٩.
(٣) سورة السجدة الآية ٧.
(٤) سورة ص الآية ٧١.
(٥) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٤٣.