وقال الإمام الفخر الرازي : وفي الآية احتمال ، وهو أن يكون المراد من قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) الترغيب في أن تؤدى هذه الصلاة بالجماعة. ويكون المعنى : إن صلاة الفجر مشهودة بالجماعة الكثيرة» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَمِنَ اللَّيْلِ ، فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) إرشاد إلى عبادة أخرى من العبادات التي تطهر القلب ، وتسمو بالنفس إلى مراقى الفلاح ، وتعينها على التغلب على الهموم والآلام.
والجار والمجرور (وَمِنَ اللَّيْلِ) متعلق بقوله (فَتَهَجَّدْ) أى. تهجد بالقرآن بعض الليل. أو متعلق بمحذوف تقديره : وقم قومة من الليل فتهجد ، و (مِنَ) للتبعيض.
قال الجمل : والمعروف في كلام العرب أن الهجود عبارة عن النوم بالليل. يقال : هجد فلان ، إذا نام بالليل.
ثم لما رأينا في عرف الشرع أنه يقال لمن انتبه بالليل من نومه وقام إلى الصلاة أنه متهجد ، وجب أن يقال : سمى ذلك متهجدا من حيث أنه ألقى الهجود. فالتهجد ترك الهجود وهو النوم ...» (٢).
والضمير في (بِهِ) يعود إلى القرآن الكريم ، المذكور في قوله ـ تعالى ـ (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) ، إلا أنه ذكر في الآية السابقة بمعنى الصلاة ، وذكر هنا بمعناه المشهور ، ففي الكلام ما يسمى في البلاغة بالاستخدام.
والنافلة : الزيادة على الفريضة ، والجمع نوافل. يقال : تنفل فلان على أصحابه ، إذا أخذ زيادة عنهم.
أى : واجعل ـ أيها الرسول الكريم ـ جانبا من الليل ، تقوم فيه ، لتصلي صلاة زائدة على الصلوات الخمس التي فرضها الله ـ تعالى ـ عليك وعلى أمتك.
قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً).
قالوا : وقيام الليل كان واجبا في حقه صلىاللهعليهوسلم بصفة خاصة ، زيادة على الصلاة المفروضة.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ٤٢٩.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٤٢.