إليك لنعذر فيك ، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك!! لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين. وسفهت الأحلام ، وشتمت الآلهة ...
فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب مالا ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تطلب شرفا فينا ، سودناك علينا ، وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ...
فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما بي شيء مما تقولون ، ولكن الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل على كتابا ، وأمرنى أن أكون بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ، فإن تقبلوا منى فهو حظكم من الدنيا والآخرة ، وإن تردوه على أصبر لأمر الله ـ تعالى ـ حتى يحكم بيني وبينكم.
فقالوا له يا محمد : فإن كنت صادقا فيما تقول ، فسل لنا ربك الذي بعثك ، فليسير عنا هذا الجبل الذي قد ضيق علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، ويفجر فيها الأنهار ، ويبعث من مضى من آبائنا ، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل ..
وسله أن يبعث معك ملكا يصدقك ، واسأله أن يجعل لك جنانا وقصورا أو كنوزا من ذهب وفضة. تعينك على معاشك.
فقال صلىاللهعليهوسلم ما بعثت بهذا. فقالوا : فأسقط السماء ـ كما زعمت ـ علينا كسفا ...
وقال أحدهم : لا أومن بك أبدا ، حتى تتخذ لك سلما إلى السماء ترقى فيه ، ونحن ننظر إليك ..
فانصرف صلىاللهعليهوسلم عنهم حزينا ، لما رأى من تباعدهم عن الهدى ، فأنزل الله عليه هذه الآيات تسلية له ...» (١).
والمعنى : وقال المشركون الذين لا يرجون لقاءنا لرسولنا صلىاللهعليهوسلم يا محمد : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) ونتبعك فيما تدعونا إليه.
(حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) أى : حتى تخرج لنا من أرض مكة القليلة المياه ، (يَنْبُوعاً) أى : عينا لا ينضب ماؤها ولا يغور.
يقال : نبع الماء من العين ينبع ـ بتثليث الباء فيهما ـ إذا خرج وظهر وكثر.
وقرأ بعض السبعة (تَفْجُرَ) بالتخفيف ـ من باب نصر ـ وقرأ البعض الآخر (تَفْجُرَ) بتشديد الجيم ، من فجر بالتشديد ، والتضعيف للتكثير.
__________________
(١) راجع تفسير ابن جرير ج ١٥ ص ١١٠ وتفسير ابن كثير ج ٥ ص ١١٥ وتفسير القرطبي ج ١٠ ص ٣٢٨.