والتعريف في لفظ (الْأَرْضِ) للعهد ، لأن المراد بها أرض مكة.
وعبر بكلمة (يَنْبُوعاً) للإشعار بأنهم لا يريدون من الماء ما يكفيهم فحسب ، وإنما هم يريدون ماء كثيرا لا ينقص في وقت من الأوقات ، إذ الياء زائدة للمبالغة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) بيان لاقتراح آخر من مقترحاتهم السخيفة.
والمعنى : أو تكون لك بصفة خاصة يا محمد ، (جَنَّةٌ) أى : حديقة ملتفة الأغصان ، مشتملة على الكثير من أشجار النخيل والأعناب : تجرى الأنهار في وسطها جريا عظيما هائلا ..
وخصوا النخيل والأعناب بالذكر ـ كما حكى القرآن عنهم ـ ، لأن هذين الصنفين يعتبران من أهم الثمار عندهم ، ولأنهما على رأس الزروع المنتشرة في أراضيهم ، والتي لها الكثير من الفوائد.
وقوله : (خِلالَها) منصوب على الظرفية ، لأنه بمعنى وسطها وبين ثناياها.
والتنوين في قوله (تَفْجِيراً) للتكثير ، أى : تفجيرا كثيرا زاخرا ، بحيث تكون تلك الجنة الخاصة بك ، غنية بالمياه التي تنفعها وترويها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً ...) اقتراح ثالث من مقترحاتهم الفاسدة.
ولفظ (كِسَفاً) أى : قطعا جمع كسفة ـ بكسر الكاف وسكون السين ، يقال : كسفت الثوب أى : قطعته وهو حال من السماء ، والكاف في قوله : (كَما) صفة لموصوف محذوف.
والمعنى : أو تسقط أنت علينا السماء إسقاطا مماثلا لما هددتنا به ، من أن في قدرة ربك ـ عزوجل ـ أن ينزل علينا عذابا متقطعا من السماء.
ولعلهم يعنون بذلك قوله ـ تعالى ـ : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ، إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ ، أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ ...) (١).
وقيل : يعنون بذلك ، أنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه السماء ، فعجل لنا ذلك في
__________________
(١) سورة سبأ الآية ٩.