سبحانه ـ إيمانا عميقا ثابتا ، فزادهم الله ببركة هذا الإخلاص والثبات على الحق ، هداية على هدايتهم ، وإيمانا على إيمانهم.
وقوله ـ سبحانه ـ (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) إيماء إلى أن قصة هؤلاء الفتية كانت معروفة لبعض الناس ، إلا أن معرفتهم بها كانت مشوبة بالخرافات والأباطيل.
قال ابن كثير : ما ملخصه : ذكر الله ـ تعالى ـ أنهم كانوا فتية ـ أى شبابا ـ ، وهم أقبل للحق من الشيوخ ، الذين عتوا في دين الباطل ، ولهذا كان اكثر المستجيبين لله ولرسوله شبابا ، وأما المشايخ من قريش ، فعامتهم بقوا على دينهم ، ولم يسلم منهم إلا القليل.
واستدل غير واحد من الأئمة كالبخارى وغيره بقوله (وَزِدْناهُمْ هُدىً) إلى أن الإيمان يزيد وينقص .. (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر هدايته لهم فقال : (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا).
وأصل الربط : الشد ، يقال ، ربطت الدابة ، أى : شددتها برباط ، والمراد به هنا : ما غرسه الله في قلوبهم من قوة ، وثبات على الحق ، وصبر على فراق أهليهم ، ومنه قولهم : فلان رابط الجأش ، إذا كان لا يفزع عند الشدائد والكروب.
والمراد بقيامهم : عقدهم العزم على مفارقة ما عليه قومهم من باطل ، وتصميمهم على ذلك تصميما لا تزحزحه الخطوب مهما كانت جسيمة.
ويصح أن يكون المراد بقيامهم : وقوفهم في وجه ملكهم الجبار بثبات وقوة ، دون أن يبالوا به عند ما أمرهم بعبادة ما يعبده قومهم ، وإعلانهم دين التوحيد ، ونبذهم لكل ما سواه من شرك وضلال.
قال القرطبي ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ (إِذْ قامُوا) يحتمل ثلاثة معان. أحدها : أن يكون هذا وصف مقامهم بين يدي الملك الكافر ، وهو مقام يحتاج إلى الربط على القلب حيث خالفوا دينه ، ورفضوا ما دعاهم إليه.
والمعنى الثاني فيما قيل : إنهم أولاد عظماء تلك المدينة فخرجوا واجتمعوا وراءها من غير ميعاد ، وتعاهدوا على عبادة الله وحده.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٣٦.