باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) (١٨)
قال الآلوسى : قوله : (وَتَرَى الشَّمْسَ ..) بيان لحالهم بعد ما أووا إلى الكهف .. والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد ممن يصلح ، وهو للمبالغة في الظهور ، وليس المراد الإخبار بوقوع الرؤية ، بل المراد الإخبار بكون الكهف لو رأيته ترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين ...» (١).
وقوله (تَزاوَرُ) من الزور بمعنى الميل. ومنه قولهم : زار فلان صديقه ، أى : مال إليه. ومنه شهادة الزور ، لأنها ميل عن الحق إلى الباطل. ويقال : فلان أزور ، إذا كان مائل الصدر ، ويقال : تزاور فلان عن الشيء ، إذا انحرف عنه.
وفي هذا اللفظ ثلاث قراءات سبعية. فقد قرأ ابن عامر «تزور» بزنة تحمر. وقرأ الكوفيون ـ عاصم وحمزة والكسائي ـ «تزاور» بفتح الزاى ـ وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «تزّاور» بتشديد الزاى ـ. وأصله تتزاور فحذفت إحدى التاءين تخفيفا.
ومعنى : «تقرضهم» تقطعهم وتتجاوزهم وتتركهم ، من القرض بمعنى القطع والصرم ، يقال : قرض المكان ، أى : عدل عنه وتركه.
والمعنى : إنك ـ أيها المخاطب ـ لو رأيت أهل الكهف ، لرأيتهم على هذه الصورة ، وهي أن الشمس إذا طلعت من مشرقها ، مالت عن كهفهم جهة اليمين ، وإذا غربت ، تراها عند غروبها ، تميل عنهم كذلك ، فهي في الحالتين لا تصل إليهم ، حماية من الله ـ تعالى ـ لهم ، حتى لا تؤذيهم بحرها ، بأن تغير ألوانهم ، وتبلى ثيابهم.
وقوله : (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) جملة حالية. أى : والحال أنهم في مكان متسع من الكهف وهو وسطه ، والفجوة : هي المكان المتسع ، مأخوذة من الفجا ، وهو تباعد ما بين الفخذين ، ومنه قولهم : رجل أفجى ، وامرأة فجواء.
وللمفسرين في تأويل هذه الآية اتجاهان لخصهما الإمام الرازي فقال : للمفسرين هنا قولان : أولهما : أن باب ذلك الكهف كان مفتوحا إلى جانب الشمال ، فإذا طلعت الشمس
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٢٢١ ـ بتصريف يسير.