كانت على يمين الكهف ، وإذا غربت كانت على شماله ، فضوء الشمس ما كان يصل إلى داخل الكهف ، وكان الهواء الطيب والنسيم الموافق يصل.
والثاني : يرى أصحابه أنه ليس المراد ذلك ، وإنما المراد أن الشمس إذا طلعت منع الله ـ تعالى ـ ضوءها من الوقوع عليهم ، وكذا القول في حال غروبها ، وكان ذلك فعلا خارقا للعادة ، وكرامة عظيمة خص الله بها أصحاب الكهف ..» (١).
ومن هذين الرأيين يتبين لنا أن أصحاب الرأى الأول ، يرجعون عدم وصول حر الشمس إلى هؤلاء الفتية إلى أسباب طبيعية حماهم الله ـ تعالى ـ بها ومن بينها أن الكهف كان مفتوحا إلى جهة الشمال.
أما أصحاب الرأى الثاني فيردون عدم وصول أشعة الشمس إليهم إلى أسباب غير طبيعية ، بمعنى أن الفتية كانوا في متسع من الكهف ، أى : في مكان تصيبه الشمس ، إلا أن الله ـ تعالى ـ بقدرته التي لا يعجزها شيء ، منع ضوء الشمس وحرها من الوصول إليهم ، خرقا للعادة على سبيل التكريم لهم.
ومع وجاهة الرأيين ، إلا أن النفس أميل إلى الرأى الثاني ، لأن قوله ـ تعالى ـ (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) يشير إلى أنهم مع اتساع المكان الذي ينامون فيه ـ وهو الفجوة ـ لا تصيبهم الشمس لا عند الطلوع ولا عند الغروب ، وهذا أمر خارق للعادة ، ويدل على عجيب حالهم ، كما أن قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) يشعر بأن أمر هؤلاء الفتية فيه غرابة ، وليس أمرا عاديا مألوفا.
قال الآلوسى : وأكثر المفسرين على أنهم لم تصبهم الشمس أصلا ، وإن اختلفوا في منشأ ذلك واختار جمع منهم ، أنه لمحض حجب الله ـ تعالى ـ الشمس على خلاف ما جرت به العادة ، والإشارة تؤيد ذلك أتم تأييد ، والاستبعاد مما لا يلتفت إليه ، لا سيما فيما نحن فيه ، فإن شأن أصحاب الكهف كله على خلاف العادة ..» (٢).
وعلى هذا الرأى الثاني يكون اسم الإشارة في قوله : (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) إلى ما فعله الله ـ تعالى ـ معهم ، من حجب ضوء الشمس عنهم مع أنهم في متسع من الكهف.
أى : ذلك الذي فعلناه معهم من آياتنا الدالة على قدرتنا الباهرة ، وإرادتنا التي لا يعجزها شيء.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٢١ ص ٩٩.
(٢) تفسير الآلوسي ج ١٥ ص ٢٢٣.