وأما على الرأى الأول فيكون اسم الإشارة مرجعه إلى ما سبق من الحديث عنهم ، كهدايتهم إلى التوحيد ، وإخراجهم من بين عبدة الأوثان ، ولجوئهم إلى الكهف ، وجعل باب الكهف على تلك الكيفية ، إلى غير ذلك مما ذكر ـ سبحانه ـ عنهم.
أى : ذلك الذي ذكرناه لك عنهم ـ أيها الرسول الكريم ـ هو من آيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً).
أى : من يهده الله إلى طريق الحق ، ويوفقه إلى الصواب ، فهو المهتد ، أى فهو الفائز بالحظ الأوفر في الدارين ، ومن يضلله الله ـ تعالى ـ عن الطريق المستقيم ، فلن تجد له ـ يا محمد ـ نصيرا ينصره ، ومرشدا يرشده إلى طريق الحق.
كما قال تعالى ـ : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١).
وكما قال ـ سبحانه ـ : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ ...) (٢).
ثم صور ـ سبحانه ـ بعد ذلك مشهدا عجيبا من أحوال هؤلاء الفتية فقال : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ..).
والحسبان بمعنى الظن ، والأيقاظ جمع يقظ وهو ضد النائم ، والرقود : جمع راقد والمراد به هنا : النائم.
أى : وتظنهم ـ أيها المخاطب لو قدر لك أن تراهم ـ أيقاظا منتبهين ، والحال أنهم رقود أى : نيام.
وقالوا : وسبب هذا الظن والحسبان ، أن عيونهم كانت مفتوحة ، وأنهم كانوا يتقلبون من جهة إلى جهة ، كما قال ـ تعالى ـ بعد ذلك : (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ).
أى : ونحركهم وهم رقود إلى الجهة التي تلى أيمانهم ، وإلى الجهة التي تلى شمائلهم ، رعاية منا لأجسامهم حتى لا تأكل الأرض شيئا منها بسبب طول رقادهم عليها.
وعدد مرات هذا التقليب لا يعلمه إلا الله ـ تعالى ـ وما أورده المفسرون في ذلك لم يثبت
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ١٧٨.
(٢) سورة الإسراء الآية ٩٧.