وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان. كان مقداره ثلاثمائة سنين وتسع سنين بالهلالية وهي ثلاثمائة سنة بالشمسية ، فإن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين ، فلهذا قال بعد الثلاثمائة (وَازْدَادُوا تِسْعاً).
وقال قتادة في قوله : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ..) وهذا قول أهل الكتاب وقد رده الله ـ تعالى ـ بقوله : (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا).
وفي هذا الذي قاله قتادة نظر ، فإن الذي بأيدى أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة من غير تسع ولو كان الله ـ تعالى ـ قد حكى قولهم لما قال : (وَازْدَادُوا تِسْعاً) ، وظاهر الآية أنه خبر عن الله لا حكاية عنهم .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تأكيد لاختصاصه ـ عزوجل ـ بعلم المدة التي لبثوها ، أى : له ـ سبحانه ـ وحده علم ما خفى وغاب من أحوال السموات والأرض ، وأحوال أهلهما ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ).
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) صيغتا تعجب : أى : ما أبصره وما أسمعه ـ تعالى ـ والمراد أنه ـ سبحانه ـ لا يغيب عن بصره وسمعه شيء.
وجاءت هذه الجملة الكريمة بصيغة التعجب للدلالة على أن أمره ـ تعالى ـ في الإدراك خارج عما عليه إدراك المبصرين والسامعين. إذ لا يحجبه شيء ، ولا يتفاوت عنده لطيف وكثيف ، وصغير وكبير ، وجلى وخفى.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً).
أى : ليس لأهل السموات ولا لأهل الأرض ولا لغيرهما غير الله ـ تعالى ـ نصير ينصرهم ، أو ولى يلي أمرهم. ولا يشرك ـ سبحانه ـ في حكمه أو قضائه أحدا كائنا من كان من خلقه. كما قال ـ تعالى ـ (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).
هذا ، وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات مسائل منها.
(أ) مكان الكهف الذي لجأ إليه هؤلاء الفتية ، والزمن الذي ظهروا فيه ، أما مكان الكهف فللعلماء فيه أقوال : من أشهرها أنه كان بالقرب من مدينة تسمى «أفسوس» وهي
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٤٦.