لا تصل إليهم مع أنهم في فجوة من الكهف ، وصان أجسادهم من البلى والتعفن بأن قلبهم ذات اليمين وذات الشمال ، وأنام كلبهم بعتبة باب الكهف حتى لكأنه حارس لهم : وألقى الهيبة عليهم بحيث لو رآهم الرائي لولى منهم فرارا. ولملئ قلبه رعبا من منظرهم.
وسخر أصحاب النفوذ والقوة للدفاع عنهم. وللتعبير عن تكريمهم لهم بقولهم : (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً).
٥ ـ بيان أن التفكير السليم ـ المصحوب بالنية الطيبة والعزيمة الصادقة ، يؤدى إلى الاهتداء إلى الحق ، وأن القلوب النقية الطاهرة تتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. وأن فضح الباطل والكشف عن زيفه .. دليل على سلامة اليقين.
فهؤلاء الفتية اجتمعوا على الحق ، وربط الله على قلوبهم إذ قاموا للوقوف في وجه الباطل ، وهداهم تفكيرهم السليم إلى أن المستحق للعبادة هو ربهم رب السموات والأرض ، وأن من يعبد غيره يكون قد افترى على الله كذبا.
وأن اعتزال الكفر يوصل إلى نشر الرحمة ، والظفر بالسداد والتوفيق. ولذا تواصوا فيما بينهم بقولهم : (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً).
٦ ـ بيان أن مباشرة الأسباب المشروعة لا تنافى التوكل على الله.
فهؤلاء الفتية عند ما خرجوا من ديارهم ، أخذوا معهم بعض النقود ، وبعد بعثهم من رقادهم أرسلوا أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم طعاما طاهرا حلالا ، وأوصوه بالتلطف في أخذه وعطائه وبكتمان أمره وأمرهم حتى لا يعرف الأعداء مكانهم.
وهكذا العقلاء ، لا يمنعهم توكلهم على الله ـ تعالى ـ من أخذ الحيطة والحذر في كل شئونهم التي تستدعى ذلك.
٧ ـ إقامة أوضح الأدلة وأعظمها على أن البعث حق. فقد أطلع الله ـ تعالى ـ الناس على هؤلاء الفتية ، ليوقنوا بأنه ـ سبحانه ـ قادر على إحياء الموتى .. لأن من يقدر على بعث الراقدين من رقادهم بعد مئات السنين ، فهو قادر على إحياء الموتى يوم القيامة.
٨ ـ بيان أن من الواجب على المؤمن إذا أراد فعل شيء أن يقرن ذلك بمشيئة الله ـ تعالى ـ لأنه ـ سبحانه ـ بيده الأمر كله ، وصدق الله إذ يقول : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
هذه بعض العظات والأحكام التي ترشدنا إليها هذه القصة ، وقد ذكرنا جانبا آخر منها