وصبر النفس معناه : حبسها وتثبيتها على الشيء ، يقال : صبرت فلانا أصبره صبرا ، أى : حبسته.
والغداة : أول النهار. والعشى. آخره.
والمعنى : عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ أن تحبس نفسك وتعودها على مجالسة أصحابك (الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) أى : يعبدونه ويتقربون إليه بشتى أنواع القربات ، في الصباح والمساء ، ويداومون على ذلك ، دون أن يريدوا شيئا من وراء هذه العبادة ، سوى رضا الله ـ تعالى ـ عنهم ورحمته بهم.
وفي تخصيص الغداة والعشى بالذكر : إشعار بفضل العبادة فيهما : لأنهما محل الغفلة والاشتغال بالأمور الدنيوية غالبا.
ويصح أن يكون ذكر هذين الوقتين المقصود به مداومة العبادة. وإلى هذا المعنى أشار الآلوسى بقوله : قوله : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) أى : يعبدونه دائما. وشاع استعمال مثل هذه العبارة للدوام. وهي نظير قولهم : ضرب زيد الظهر والبطن. يريدون به ضرب جميع البدن. وأبقى غير واحد اللفظين على ظاهرهما أى : يعبدونه في طرفي النهار (١).
وقوله : (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) مدح لهم بالإخلاص والبعد عن الرياء والمباهاة .. فهم لا يتقربون إلى الله ـ تعالى ـ بالطاعات من أجل دنيا يصيبونها. أو من أجل إرضاء الناس.
وإنما هم يبتغون بعبادتهم رضا الله ـ تعالى ـ وحده ، لا شيئا آخر من حظوظ الدنيا.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ..) نهى له صلىاللهعليهوسلم ـ عن الغفلة عنهم ، بعد أمره بحبس نفسه عليهم.
والفعل (تَعْدُ) بمعنى تصرف. يقال عداه عن الأمر عدوا إذا صرفه عنه وشغله.
أى : احبس نفسك مع هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ـ سبحانه ـ ولا تصرف عيناك النظر عنهم ، وتتجاوزهم إلى غيرهم من الأغنياء ، طمعا في إسلامهم.
فالمراد بإرادة الحياة الدنيا الحرص على مجالسة أهل الغنى والجاه حبا في إيمانهم.
وجملة (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) في موضع الحال من الضمير المضاف إليه في قوله
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٢٦٢.