(عَيْناكَ) ، وإنما ساغ ذلك لأن المضاف هنا جزء من المضاف إليه.
وقوله ـ تعالى ـ (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) نهى آخر مؤكد لما قبله من حبس نفسه صلىاللهعليهوسلم على هؤلاء المؤمنين الفقراء ، وعدم صرف نظره عنهم إلى غيرهم من المتغطرسين الأغنياء.
والفرط ـ بضم الفاء والراء ـ : مجاوزة الحد ، ونبذ الحق والصواب ، واتباع الباطل والضلال. أى : ولا تطع ـ أيها الرسول الكريم ـ في تنحية المؤمنين الفقراء عن مجلسك أقوال أولئك الغافلين عن طاعتنا وعبادتنا لاستحواذ الشيطان عليها ، والذين اتبعوا أهواءهم فآثروا الغي على الرشد. والذين كان أمرهم. فرطا أى : مخالفا للحق ، ومجاوزا للصواب ، ومؤديا للضياع والخسران.
قال ابن جرير ـ بعد أن ذكر جملة من الأقوال في معنى قوله ـ تعالى ـ : (فُرُطاً) : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه : ضياعا وهلاكا. من قولهم : أفرط فلان في هذا الأمر إفراطا ، إذا أسرف فيه. وتجاوز قدره. وكذلك قوله : (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً). معناه : وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر واحتقار أهل الإيمان سرفا قد تجاوز حده ، فضيع بذلك الحق وهلك» (١).
فالآية الكريمة تسوق للناس توجيها حكيما في بيان القيم الحقيقية للناس ؛ وهي أنها تتمثل في الإيمان والتقوى ، لا في الغنى والجاه.
فالمؤمن الصادق في إيمانه ، الكريم في أخلاقه .. هو الذي يحرص على مخالطة أهل الإيمان والتقوى. ولا يمنعه فقرهم من مجالستهم ومصاحبتهم ومؤانستهم والتواضع لهم ، والتقدم إليهم بما يسرهم ويشرح صدورهم.
ولقد ربي النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه على هذا الخلق الكريم ، روى الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي قال : مر رجل على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال لرجل عنده جالس : «ما رأيك في هذا؟ فقال : رجل من أشرف الناس ، هذا والله حرىّ إن خطب أن يزوج ، وإن شفع أن يشفع. فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم مرّ رجل آخر : فقال له صلىاللهعليهوسلم : «ما رأيك في
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٥ ص ١٥٦.