هذا»؟ فقال : يا رسول الله ، هذا رجل من فقراء المسلمين هذا والله حرى إن خطب أن لا يزوج ، وإن شفع ألا يشفع ، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال : رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا» (١).
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يجهر بكلمة الحق في وجوه المستكبرين ، فقال. (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ..).
أى : وقل : أيها الرسول ـ لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا ، واتبعوا أهواءهم ، وكان أمرهم فرطا ، قل لهم : هذا الذي جئتكم به من قرآن هو الحق من ربكم وخالقكم .. فقوله : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) خبر لمبتدأ محذوف.
أو أن لفظ (الْحَقُ) مبتدأ ، والجار والمجرور خبره. أى : الحق الذي جئتكم به في هذا القرآن العظيم ، كائن مبدؤه من ربكم ، وليس من أحد سواه.
وليس المراد من قوله (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) التخيير بين الإيمان والكفر ، بل المراد به التهديد والتخويف ، بدليل قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً) .. إلخ.
أى : قل لهم جئتكم من ربكم بالحق الذي يجب اتباعه ، فمن شاء أن يؤمن به فليفعل فإن عاقبته الخير والثواب ، ومن شاء أن يكفر به فليكفر فإن عاقبته الخسران والعقاب ، كما بين ـ سبحانه ـ ذلك في قوله : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها).
والسرادق : كل ما أحاط بغيره ، كالحائط أو السور الذي يحيط بالبناء ، فيمنع من الوصول إلى ما بداخله.
أى : إنا هيأنا وأعددنا للكافرين بهذا الحق نارا مهولة عظيمة ، أحاط بهم سياجها إحاطة تامة ؛ بحيث لا يستطيعون الخروج منه ، وإنما هم محصورون بداخله. كما ينحصر الشيء بداخل ما يحدق به من كل جانب.
وقوله : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ، بِئْسَ الشَّرابُ ، وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) بيان لما ينزل بهم من عذاب عند ما يطلبون الغوث مما هم فيه من كروب.
والمهل في اللغة : يطلق على ما أذيب من جواهر الأرض. كالحديد ، والرصاص ،
__________________
(١) رياض الصالحين للإمام النووي ص ١٣١ باب فضل ضعفة المسلمين.