من العنب والتمر وغيرهما من صنوف الزرع (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) أى ولم تنقص من هذا المأكول شيئا في سائر السنين ، بل كان أكل كل واحدة منهما وافيا كثيرا في كل سنة ، على خلاف ما جرت به عادة البساتين ، فإنها في الغالب تكثر ثمارها في أحد الأعوام وتقل في عام آخر.
وفي التعبير بكلمة (تَظْلِمْ) بمعنى تنقص وتمنع ، مقابلة بديعة لحال صاحبهما الذي ظلم نفسه بجحوده لنعم الله ـ تعالى ـ واستكباره في الأرض.
وقوله (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) أى : وشققنا في وسطهما نهرا ليمدهما بما يحتاجان إليه من ماء بدون عناء وتعب.
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد وصف هاتين الجنتين بما يدل على جمال منظرهما ، وغزارة عطائهما ، وكثرة خيراتهما ، واشتمالهما على ما يزيدهما بهجة ومنفعة.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن صاحب هاتين الجنتين كانت له أموال أخرى غيرهما فقال : (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ).
قال الآلوسى ما ملخصه : (وَكانَ لَهُ) أى : للأحد المذكور وهو صاحب الجنتين «ثمر» أى أنواع أخرى من المال .. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي .. «ثمر» بضم الثاء والميم ، وهو جمع ثمار ـ بكسر الثاء ـ .. أى : أموال كثيرة من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك ، وبذلك فسره ابن عباس وقتادة وغيرهما ..» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) حكاية لما تفوه به هذا الكافر من ألفاظ تدل على غروره وبطره.
والمحاورة : المراجعة للكلام من جانبين أو أكثر. يقال : تحاور القوم ، إذا تراجعوا الكلام فيما بينهم. ويقال : كلمته فما أحار إلى جوابا ، أى : مارد جوابا.
والنفر : من ينفر ـ بضم الفاء ـ مع الرجل من قومه وعشيرته لقتال عدوه.
أى : فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن الشاكر : أنا أكثر منك مالا وأعز منك عشيرة وحشما وأعوانا.
وهذا شأن المطموسين المغرورين ، تزيدهم شهوات الدنيا وزينتها .. بطرا وفسادا في الأرض.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٢٧٤.