أى : قال إبراهيم للملائكة ، بعد أن بشروه بالولد ، أبشرتمونى بذلك مع أن الكبر قد أصابنى ، والشيخوخة قد اعترتني فبأى شيء عجيب قد بشرتموني.
وتعجب إبراهيم إنما هو من كمال قدرة الله ـ تعالى ـ ونفاذ أمره ، حيث وهبه هذا الغلام في تلك السن المتقدمة بالنسبة له ولامرأته ، والتي جرت العادة أن لا يكون معها إنجاب الأولاد.
وقد حكى القرآن هذا التعجب على لسان امرأة إبراهيم في قوله ـ تعالى ـ (قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ..) (١).
قال الإمام الرازي ما ملخصه : والسبب في هذا الاستفهام أن العادة جارية بأنه لا يحصل الولد حال الشيخوخة التامة ...
وهناك جواب آخر ، وهو أن الإنسان إذا كان عظيم الرغبة في شيء ، وفاته الوقت الذي يغلب على ظنه حصول ذلك المراد فيه ، فإذا بشر بعد ذلك بحصوله ازداد فرحه وسروره ، ويصير ذلك الفرح القوى كالمدهش له وربما يجعله هذا الفرح يعيد السؤال ليسمع تلك البشارة مرة أخرى ، طلبا للالتذاذ بسماعها ...» (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ).
أى : قال الملائكة لإبراهيم لزيادة اطمئنانه ، ولتأكيد بشارته بالغلام العليم :
يا إبراهيم إنا بشرناك بالأمر المحقق الوقوع ، وباليقين الذي لا خلف معه ، وهو أن الله ـ تعالى ـ سيهبك الولد مع تقدم سنك وسن زوجك ، فلا تكن من الآيسين من رحمة الله ـ تعالى ـ فإن قدرته ـ عزوجل ـ لا يعجزها شيء.
وهنا دفع إبراهيم ـ عليهالسلام ـ عن نفسه رذيلة اليأس من رحمة الله. فقال على سبيل الإنكار والنفي (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) أى : أنا ليس بي قنوط أو يأس من رحمة الله ، لأنه لا ييأس من رحمة الله ـ تعالى ـ إلا القوم الضالون عن طريق الحق والصواب ، الذين لا يعرفون سعة رحمته ـ تعالى ـ ونفاذ قدرته ، ولكن هذه البشارة العظيمة ـ مع تقدم سنى وسن زوجي ـ هي التي جعلتني ـ من شدة الفرح والسرور ـ أعجب من كمال قدرة الله ـ تعالى ـ ، ومن جزيل عطائه ، ومن سابغ مننه ، حيث رزقني الولد في هذه السن التي جرت العادة بأن لا يكون معها إنجاب أو ولادة.
__________________
(١) سورة هود الآية ٧٢.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ١٩٧.