وكان من أسباب خوفه منهم ، أنهم دخلوا عليه بدون إذن ، وفي غير وقت الزيارة وبدون معرفة سابقة لهم ، وأنهم لم يأكلوا من الطعام الذي قدمه إليهم ..
هذا ، وقد ذكر ـ سبحانه ـ في سورة الذاريات أنه رد عليهمالسلام فقال ـ تعالى ـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً ، قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) (١).
كما بين ـ سبحانه ـ في سورة هود أن من أسباب خوفه منهم ، عدم أكلهم من طعامه. قال ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ...) (٢). أى خاف إبراهيم لما رأى أيدى الضيف لا تصل إلى طعامه.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قالته الملائكة لإدخال الطمأنينة على قلب إبراهيم فقال ـ تعالى ـ : (قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ).
أى : قالت الملائكة لإبراهيم على سبيل البشارة وإدخال السرور على قلبه : لا تخف منا يا إبراهيم ، إنا جئنا إليك لنبشرك بغلام ذي علم كثير بشريعة الله ـ تعالى ـ وبأوامره ونواهيه ، وهو إسحاق ـ عليهالسلام ـ.
وجملة «إنا نبشرك ..» مستأنفة لتعليل النهى عن الوجل.
وقد حكى ـ سبحانه ـ هنا أن البشارة كانت له ، وفي سورة هود أن البشارة كانت لامرأته ، ومعنى ذلك أنها كانت لهما معا ، إما في وقت واحد ، وإما في وقتين متقاربين بأن بشروه هو أولا ، ثم جاءت امرأته بعد ذلك فبشروها أيضا ، ويشهد لذلك قوله ـ تعالى ـ (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ ...) (٣).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله إبراهيم للملائكة بعد أن بشروه بهذا الغلام العليم ، فقال ـ تعالى ـ (قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ).
والاستفهام للتعجب. كأنه عجب من أن يرزقه الله ـ تعالى ـ بغلام عليم بعد أن مسه الكبر ، وبلغ سن الشيخوخة.
و «على» بمعنى مع ، والمس : اتصال شيء بآخر على وجه الإحساس والإصابة.
__________________
(١) الآيتان ، ٢٤ ، ٢٥.
(٢) الآية ٧٠.
(٣) سورة هود الآية ٧١.