ثعبان عظيم ، فخاف موسى من هذه الظاهرة العجيبة وقرّر الفرار ، إلّا أنّ الخطاب الإلهي جاءه ليعلّمه أوّل درس أخلاقي تجاه الحوادث وقال : (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ)(١).
ونظراً إلى أنّ جميع أنحاء العالم هي في محضر الله تعالى وإن كلّ زاوية من زوايا الكون هي محلّ حضور ذاته المقدسة وعلمه وقدرته ، ولذلك على المؤمنين أن لا يخافوا بأيّة حال وفي كلّ الظروف بل عليهم أن يعيشوا حالة التوكل على الله تعالى ويواجهوا تحديات الواقع بشجاعة وشهامة ، ويسيروا بهذه الروح المعنوية في خطّ الرسالة وتحقيق الأهداف المقدسة.
وطبقاً لما ورد في سورة القصص في الآية (٣١) أنّه قيل لموسى : (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ).
فشعر موسى بهذا الخطاب الإلهي بالطمأنينة والسكينة تدغدغ أعماق قلبه واستعاد قوته ورباطة جأشه ، وهنا جاءه النداء الإلهي يحمل دستوراً أكبر وأهم ، وهو أنّ لا يكتفي بعدم الخوف من هذا الثعبان العظيم بل يجب أن يتجه إليه ويأخذه بيده حتّى يعود إلى حالته الاولى! (قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى)(٢).
ومن المعلوم أنّ هذا العمل كان يمثل لموسى الصعوبة البالغة ، ولكنه نجح أخيراً في الإمتثال والإذعان لهذا الأمر الإلهي.
أجل فإنّ على موسى أن يستوعب التجربة الكبيرة في محضر الذات المقدّسة ليقف أمام ثعبان أكبر وأخطر من هذا ، أي فرعون والملأ من قومه وحكومته الجبارة الّتي يجب أن يأخذها موسى منهم كما يأخذ عصاه.
الكثير من المفسّرين ذهبوا في تفسير كلمة (جان) في الآية أعلاه تعني صغار الحيّات الّتي تهجم على الشخص بسرعة ، في حين أنّه في مكان آخر تتحدّث الآيات عن عصى
__________________
١ ـ سورة النمل ، الآية ١٠.
٢ ـ سورة طه ، الآية ٢١.