ونقرأ في تفسير روح البيان في ذيل هذه الآية حديثاً قدسياً يقول : العجب ممّن يؤمن بالنار كيف يضحك؟ وممّن يتعلق بالدنيا وهو يعلم أنّه مفارقها ، ومن الغافلين كيف يلهون في حين أنّهم يعلمون أنّه لا يُغفل عنهم.
ويتحدّث صاحب التفسير المذكور في ذيل هذا الحديث الشريف عن قصة «النعمان بن المنذر» الّذي كان أحد ملوك الحيرة في عصر الجاهلية ، ويقول : في أحد الأيّام كان هذا الملك جالساً للهو واللعب تحت شجرة وارفة الظلال ، فقال له «عدي» وكان أحد أقربائه : أيّها الملك أنّ هذه الشجرة تغني فهل تعلم ما تقول؟ هذه الشجرة تقول :
رُبَّ رَكْبٍ قَدْ اناخُوا حَولَنا |
|
يَمزَجُون الخَمْرَ بِالمَاءِ الزُّلالِ |
ثُمَّ اضْحُوا اسَفَ الدَّهرُ بِهِم |
|
وَكَذاك الدَّهرُ حالاً بَعد حالٍ (١) |
«الآية الخامسة» تتحدّث عن الأشخاص الّذين يعيشون «الغفلة» عن أسرار وقضايا عالم الوجود ولا يرون إلّا ظواهر الامور ، ويقنعون بهذا الظاهر الجذّاب لهذه الحياة الدنيا عن حقيقتها مع الغفلة عن باطنها الّذي يشير إلى الحياة الاخرى وتقول «يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْأَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ». (٢)
فلو أنّ الغفلة لم تلق عليهم بظلالها ولم تكبل عقولهم بقيودها لرأوا في كلّ شيء وفي كلّ كائنٍ وموجود من هذا العالم آية من الآيات الّتي تدلّ على الله تعالى والمعاد ، فالقرآن الكريم يستعرض أسرار عالم الخلقة ويقرر أنّ هذا النظام المدهش للعديد من عالم المادّة والطبيعة إنّما هو آية وعلامة على وجود الله تعالى وعلامة كذلك على المعاد والحياة بعد الموت من خلال الحوادث المشاهدة والملموسة في حركة الحياة والواقع ، غاية الأمر انه لا يدرك مغزى هذه الآيات والعلامات ولا يقرأ مضمونها الباطني سوى أصحاب البصيرة الّذين قرؤوا نغمة التوحيد والمعاد في باطن هذه الحوادث لا الأشخاص الّذين يتعاملون مع الحياة الدنيا من موقع الأهواء والنوازع المادية الرخيصة.
__________________
١ ـ روح البيان ، ج ٤ ، ص ١٨.
٢ ـ سورة الروم ، الآية ٧.