هذا وإن تكرار ضمير «هم» في الآية الشريفة يعد تأكيداً على هذا المطلب ، وهو أنّ «الغفلة» هي السبب في أن يتحرّك الإنسان من موقع الظواهر فحسب ولا يرى واقع الحال ويتوغل في باطن الامور.
والجدير بالذكر أنّ مفردة «الغفلة» وردت في موارد تكون فيها أسباب ومقدمات التذكر والتنبه متوفرة لدى الإنسان ، ولكنه وبسبب اتباعه للأهواء أو بسبب ضعف الإيمان أو لأسباب اخرى فإنه يتغافل عنها ، والشاهد على ذلك الآيات الّتي وردت بعد هذه الآية من سورة الروم حيث يستعرض الله تعالى فيها نماذج من آثار التوحيد والمعاد في عالم الخلقة وفي واقع الإنسان ويحذّر الغافلين عن التمادي في غفلتهم وينذرهم من عاقبة هذه الحالة الوخيمة.
«الآية السادسة» تتحدّث عن أخطر فئة من الكفّار ، وهم الّذين يعيشون حالة التكبر والعناد مضافاً إلى كفرهم ، وفي آخر الآية تقرر السبب الّذي ساقهم إلى الشقاء الدائم ، وهو الغفلة عن آيات الله وتقول : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ)(١).
وقد وقعت هذه الجملة من الآية الكريمة (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) مورداً لبحث المفسّرين ومناقشاتهم ، ولعلّه كان بسبب أنّ من المسلّم أنّ الله تعالى يهدي الناس إلى طريق الحقّ ، وأساساً فإنّ جميع الأنبياء والأوصياء كانوا يهتمون بارشاد الناس وهدايتهم إلى الله تعالى ، فكيف يجتمع هذا المعنى مع قوله تعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) وانه تعالى هو الّذي يحرم هؤلاء عن الهداية والتوفيق لرؤية هذه الآيات على نفسها ، ولهذا نجد أنّ الكثير من المفسّرين قد تكلفوا تأويل هذه الآية بما لا يتناقض مع الاصول والمبادىء المسلمة.
ويتضح الجواب عن هذا السؤال من خلال استعراض الآيات القرآنية الاخرى في هذا
__________________
١ ـ سورة الأعراف ، الآية ١٤٦.